تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

الهم والحزن

الهم والحزنإننا اليوم  بصدد  علاج مرض من الأمراض و وباء  من الأوبئة  يجعل الحياة موتا والدنيا نكدا واللذة تعاسة  وتصير الأرض الواسعة  ضيقة بما رحبت…

خطبة بعنوان : الهم والحزن

العناصر:

1-    تعريف الحزن .

2-    أعراض هذا المرض.

3-    أسباب هذا المرض.

4-     العلاج.

الحمد لله رب العالمين كرم بني آدم وفضلهم على كثير من مخلوقاته بما منحهم  من العقول وسخر لهم  من منافع  الكون تفضلا منه  وإحسانا  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد  أن محمد عبده ورسوله صلى  الله عليه وعلى آله وصحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:-

عباد الله:

            إننا اليوم  بصدد  علاج مرض من الأمراض و وباء  من الأوبئة  يجعل الحياة موتا والدنيا نكدا واللذة تعاسة  وتصير الأرض الواسعة  ضيقة بما رحبت.

أنه مرض ضيق الصدر يبدأ البدن بالاضطرابات ثم  يضيق الصدر ويريد الخلاص من نفسه  النفس التي تجد فراغا  ولا يدري كيف تملؤه ووحشة ولا تدري كيف تزيلها.

يمضي هذا المريض  وقته بالبكاء الحار وهو الاغتمام يقولون  حزن  الرجل  إذا أشتد همه  والحزن  يعد أحد  صور العاطفة  والمشاعر الإنسانية  الفطرية  التي تسيطر على الإنسان فإذا ما اشتدت  عليه  تتغير نفسه وتنكسر وحينئذ يسمى اكتئابا.

فتعزف  النفس عن بذل  أي جهد  أو نشاط وقد يصل الحال إلى درجة الانتحار.

يقول ابن القيم  رحمه الله (( أربعة تهدم  البدن  الهم والحزن والجوع والسهر))

فحالات الانتحار  في العالم  تزيد عن 800.000ألف شخص في كل عام و ناهيك عن 80% لا يذهبون للأطباء .

وهذا كله استعانة  بشياطين الأنس يريد حلا  لمرضه لكننا نقول لهذا : لقد أخطأت  العلاج.

من علامات هذا المرض  أنه  يبدأ  بقطع  الإنسان الصلة بينه وبين  الله سبحانه  وإن صلي ففي الجمع.

هائم  على وجهه في هذه الأرض متسكع مع أحبابه يتناسى أحزانه  يغني للدنيا أعذب الألحان يدخل بيته كالذئب المفترس ويخرج من بيته والشياطين  تطير أمام عينيه بعيدا عن منهج الله  وطريق رسوله عليه الصلاة والسلام و من هنا تبدأ المشكلة ..

أيها الإخوة الكرام:-

 أن هناك أسبابا لهذا المرض  من ذلك :

–         السبب الأول البعد عن الدين:                                                                                                                 لقد أخبرنا  الله عز وجل عن أسباب ضيق  الصدر فقال سبحانه (( فمن يرد الله  أن يهديه يشرح صدره للإسلام  و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء)) [1]                                                                                                        فهذه صفات  ثلاث لصاحب الصدر الضيق :                                                                      أ- أن يكون ضيقا : أي مغلق مطموس لا يتسع لشيء.

ب- حرجا : لا ينفذ فيه الإيمان  والخير فهو يجد العسرة المشقة .

ج- كأنما يصعد في السماء أي حاله كأنه يصعد  في السماء فيضيق كلما ارتفع لنقصان الهواء.

إذا فالسبب الأول البعد عن الدين قال الله  تعالى (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا))[2]

فكل من أعرض عن ذكر الله فستكون  عقوبته أنه يعيش في ضنك شابا كان أو شيخا  غنياً أم فقيرا رئيسا أم مرؤوسا.

–         السبب الثاني :

انعدام أو ضعف الإيمان بالقضاء  والقدر  وفزعهم  من المستقبل المجهول والشعور  بالوهن  عن المصائب  وتحمل المشاق ..

–         السبب الثالث  :

    إجلاب ا لشيطان  بخيله ورجله على  ابن آدم  من خلال ا لوسوسة  والرؤى  المحزنة                                                                                                       وقد أخبرنا رسول ا لله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم  بنوع الرؤى  وهي  تحزين  من الشيطان  يحزن بها ابن آدم .

–          السبب الرابع :

كثرة الديون  مع العجز عن إيقافها كذلك الجبن  والبخل الذي يصيب الإنسان الكانز للمال ويدل  هذا على ما رواه  أبو  داود  في سننه  أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ا لمسجد  ذات يوم  فإذا هو برجل  من الأنصار يقال  له أبو أمامة فقال : يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد  في غير وقت صلاة فقال : هموم  لزمتني  وديون  يا رسول الله قال(( أفلا أعلمك كلاما إذا قلته  أذهب الله همك وقضى عنك دينك قال بلى  يا رسول الله  قال : إذا أصبحت وإذا أمسيت فقل (( اللهم  إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)) قال أبو أمامة ففعلت ذلك فأذهب  الله همي  وقضي عني ديني ))[3]

–         السبب الخامس  :

كثرة تعاطي الأدوية والعقاقير التي تؤدي بدورها إلى تغيرات كيميائية في الدماغ  وينتج  عنها  الإصابة بالاكتئاب  نفسه .

–         السبب السادس :

تعاطي  المخدرات  والمسكرات  المؤدية إلى الإدمان  المروع والإحساس بأن  الحياة لا شيء بدون معاقرتها.

–         السبب ا لسابع:

العامل الوراثي وبعض الأمراض العضوية…

أيها المسلمون : لاشك ولاريب أن لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله  وعلاج  هذه المشكلة أعني الهم والحزن هي كالتالي:

1-    السير على طريق الإسلام فالله هو الذي خلق هذه النفس وهو أعلم  بعلاجها  وما يصلحها قال تعالى (( فمن أتبع هداي فلا يضل  ولا يشقى ))[4]

2-    ذكر الله عز وجل قال سبحانه (( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب))[5]

فذكر الله عز و جل يدفع به الآفات  وتكشف به الكربات  وتغفربه الخطيئات وبذكر الله تطمئن القلوب الخائفة و تأنس الصدور الضيقة قال تعالى (( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين  واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ))[6]

3-    الإكثار من النوافل بعد  الفرائض فهي  تجعل روحك متصلة بالله تعالى وتجعل  قلبك ذاكرا لله .

4-    الدعاء :                                                                                         ففي هدي  المصطفى عليه  الصلاة والسلام شفاء ودواء لهذا  المرض يقول النبي عليه الصلاة والسلام ((ما أصاب عبدا هم و لا حزن فقال (( اللهم إني عبدك  وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم  هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك  أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم  ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني  وذهاب همي إلا أذهب ألله همه  وحزنه وأبدله مكانه فرحا))[7]

5-    العلاج من خلال التطبب النفسي وعرض الفرص العلاجية عبر جوانب  إيمانية من الكتاب والسنة  لعلة الحزن والاكتئاب قد تكون العلاج الأفضل والأسلم لمئات  الأنواع  من الأدوية والعقاقير.

6-     الرضا بالقضاء الله وقدره:                                                                                هو ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان المؤمن إلا به فينبغي على المسلم  والمسلمة أن يسلم لأمر الله بنفس راضية  مطمئنة  و لا يضر بعد ذلك  أن يحزن الإنسان الحزن   الطبيعي.                                                                                         وقال عليه الصلاة والسلام (( أن العين لتدمع  وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون))[8]

7-    الرفقة الطيبة الذين هم على استقامة ودين :

أيها المحزون أيها المكتئب اترك رفاقك الأولين  وابتعد عنهم لا تقترب منهم عش مع هذه الرفقة  الصالحة  تشعر بطعم الحياة حقا وتحس بحلاوة الإيمان صدقا.

 

إن الرفقة السيئة  حائرة يمثلها قول شاعر حيرة:

جئت لا أعلم  من أين ولكني أتيت

 ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت

وسأبقى سائر أن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري

ولماذا لست أدري لست أدري.

أما ا لمؤمن  فهو مطمئن آمن  لسان حاله يقول :

أنا لست إلا مؤمنا بالله في سري وجهري

أنا نبضة في صدر هذا الكون فهل يضيق صدري

أنا نطفة أصبحت إنساناً فكيف جهلت قدري

ولم الترفع عن تراب منه يكون قبري

إني أعجب للفتي في لهوه أوليس يدري

أن الحياة قصيرة والعمر كالأطلال يسري .


[1] – سورة الأنعام آية (125)

[2] سورة طه آية (124)

[3] – سنن أبي داود 2/195

[4] – سورة طه آية (123)

[5] – سورة الرعد آية (28)

[6] – سورة الحجر آية (98-99)

[7] – مستدرك الحاكم1/509

[8] – سنن أبي داود 3/493

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق