إن أهم مرتكز في بناء صرح الأمة وتشييد حضارتها بعد الإيمان بالله جل وعلا – يكمن في ترابط النسيج الاجتماعي وتألق القيم الإسلامية التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم…
خطبة بعنوان : تفكك الأسر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
ثم أما بعد :
أيها المؤمنون عباد الله :
إن أهم مرتكز في بناء صرح الأمة وتشييد حضارتها بعد الإيمان بالله جل وعلا – يكمن في ترابط النسيج الاجتماعي وتألق القيم الإسلامية التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم وتشيع الود والمحبة وتوطد للتواصل المستدام وتبعد المجتمع عن الأحقاد والضغائن والبغضاء وتذهب عنه التقاطع والجفاء إن الناظر إلى أحوال أمتنا الاجتماعية يدرك تماماً أنها أوغلت كثيراً في الحياة المادية ونسيت كثيراً من القيم التي هي صمام أمان للحفاظ على تماسكها ووحدتها فهناك تغيرات اجتماعية نتيجة لبعض السلوكيات المغايرة للسلوك الإسلامي وإذا استمرت هذه الأمة بالأخذ بتلك السلوكيات فيخشى أن تتسبب في اختلال نظام الأمة الاجتماعي ومن أخطر ذلك ما يهدد الكيان الأسري والتماسك الاجتماعي فلقد فشت ظاهرة عقوق الوالدين وتساهل الآباء في تربية الأبناء وانحسرت وظائف الأسر وارتفعت نسب الطلاق في المجتمع المسلم وبرز العنف الأسري وتمزقت الأواصر وضعف التواصل بين الأرحام والأقارب وسادت حياة القطيعة والجفاء هذا جزء من أسباب التفكك الأسري إن التفكك الأسري طوفان عظيم يمزق الأسر ويدمر المجتمع وينذر بشر مستطير ومقت عظيم وفساد كبير ولعلنا في هذه الدقائق المعدودة أن نقف مع أسباب ومظاهر التفكك الأسري وعلاج ذلك
المجتمع المسلم اليوم يعاني من هذه الظاهرة التي تهدد كيانه تهدد كيان الأسر والمجتمع بل تهدد الشعوب الإسلامية برمتها إلا ما شاء الله تبارك وتعالى – إن التفكك الأسري خطر داهم يهدد كيان الأمة ويزعزع أركان الأسرة ويصدع بنيان المجتمع ويحدث شروخاً في البناء الحضاري والنظام الاجتماعي إن التفكك يهدد البنى التحتية للأمة وينذر بهلاكها وإذا أردنا أن نعرف معنى التفكك الأسري فهو كما أوجزه بعضهم هو انحلال روابط الأسرة وتلاشي الود والمحبة بين الأفراد وضعف أو انعدام دور البيت في توجيه وضبط سلوك الأبناء فينقلب هذا البيت إلى ملجأ للطعام والشراب وغير ذلك من المنافع الأسرة – أيها الكرام – في بناء صرح المجتمع وإن مما لا شك فيه أن تماسك الأسرة وأن بناءها الصحيح هو اللبنة الأولى لبناء المجتمع وهي الخلية الأولى لصلاح هذا المجتمع فبصلاح الأسرة يصلح المجتمع وبصلاح المجتمع تصلح الأمة برمتها وقد جعل الإسلام للأسرة أهمية كبيرة جداً لأن بتفككها يتفكك المجتمع وهنالك أسباب كثيرة لهذا الداء الخطر تكلم عنها الكثير ممن تخصص في هذه الجوانب ومن أهم الأسباب :
عدم الوعي الديني في أوساط الأسر فتجد أن الشاب حينما يتزوج لا يتزوج على أسس ولا ينطلق من مبادئ فلا يبحث عن ذات الدين ولا يبحث عن ذات الخلق والمرأة لا تبحث عن صاحب الدين والخلق وإنما نحى الكثير منهم المنحى المادي المحض فمن هو ؟ وابن من ؟ وأين يعمل ؟ وما هو دخله ؟ وماذا يملك ؟ ومن هنا كانت البنية الأساس للأسرة وكانت البنية التحتية لهذه الأسرة التي تنبني وتقوم عليها هذه الأسرة هش ولذلك ربما يحدث هذا التفكك وهذا التصدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِنْ لَا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتَنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»[1]
هذا جزء من هذا الفساد الكبير العريض وهو التفكك الأسري في المستقبل فالمرأة لا تنظر إلا إلى الناحية المادية وأهلها لا ينظرون إلا إلى النواحي المادية والولد لا ينظر إلا إلى الجمال والحسب والنسب ويتركون أهم شيء في بناء هذه الأسرة انعدام الوعي الديني فيدخل الشاب في بناء الأسرة في الزواج وهو لا يعرف شيئاً عن ما له وما عليه لا يعرف ما يحل له وما يحرم لا يعرف كيف يتعامل مع هذه الفتاة وهي لا تعرف كيف تتعامل مع هذا الزوج المراكز المتقدمة اليوم في العالم العربي والإسلامي وغيرها تفعل دورات تدريبية لا تقل عن ستة أشهر لتدريب من يريد الزواج من الذكور والإناث تعرف كلاً بحقه ودوره وتعرفه بما له وما عليه وتعرفه بالأسس والأساليب التي يتعامل فيها في حال حدوث أي شقاق أو مشاكل لكن الكثير من أبنائنا وشبابنا يدخل في الحياة الزوجية وهو لا يعي عن هذه الأمور شيئاً بل المرأة لا تعي عن أحكام الزواج شيئاً وهو لا يعي عن أحكام الزواج شيئاً فتجد البعض يرتكب ما حرم الله تعالى – عليه لأنه يجهل هذه الأحكام إضافة إلى ذلك لا يعرف كل منها أن بناء الأسرة وهذا الزواج وأن هذا العقد الكبير العظيم أنه من أجل السكنى ومن أجل الراحة ومن أجل السعادة فكان آية من آيات الله عز وجل – أن خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها فلما جهل كثير من الناس هذه السكنى وأن البيت محلاً وقراراً للود والرحمة والسكنى انقلبت هذه أو بعض البيوت إلى جحيم انقلبت إلى حلبات مصارعة وشقاق من أول وهلة بل من أول ليلة ومن هنا يتهدم هذا الصرح الكبير الذي نريد بناءه والذي وضعنا أول لبناته لكننا لم نضع هذه اللبنة على أساس صلب ولا على أساس صحيح فمن هنا تبدر بوادر الشقاق والنزاع منذ أول وهلة يلتقيان فيها فالزوج لا يعرف حق زوجته والزوجة لا تعرف حق زوجها الولد لا يعرف حق أبويه والآباء لا يعرفون ما يجب عليهم تجاه أبنائهم ومن هنا تحدث الكارثة وهي هذا التفكك الأسري الذي يشتكي منه كثير من الأسر اليوم وهي ظاهرة خطرة تهدد المجتمعات الإسلامية برمتها إلا ما شاء الله – سبحانه وتعالى – من أسبابها ثانياً : ضعف الروابط الأسرية فهنالك ضعف واضح في الروابط الأسرية بين الزوجين بين الولد وأبيه بين الولد وأمه والعكس من ذلك لا يعرف كل منهم هذه الروابط وهذه الأواصر فكثير من هذه البيوت حينما لا يعرف كل إنسان هذه الروابط وهذه الأواصر ويتعامل معها بإيجابية تتحول الأمور عكسية وتنقلب البيوت إلى يعني حلبات صراع وإلى أمراض نفسية وإلى انفصام واضح في التعامل بين أفراد هذه الأسرة الإخوة مثلاً لا يعرف بعضهم حق بعض لا تنبني الأسرة على أن الكبير يرحم الصغير وعلى أن الصغير يحترم الكبير وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – قال : «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا»[2] فالكبير في كثير من الأسر يظلم الصغير الكبير يحتقر الصغير والصغير لا يحترم الكبير الذكر يحتقر الأنثى والأنثى ترهب وتخاف وتكره وتبغض أخاها الذكر لأنه ظالم لأنه لا يتعامل معها بحنان لا يعرف أنها تحتاج إلى شغر عاطفتها وإلى ملئها بالحب والحنان والتقدير والاحترام والتوجيه بالتي هي أحسن فمن هنا الإخوة حينما لا يعرفون طريقة التعامل فيما بينهم ولم يتربوا على الطريقة الإسلامية في التعامل فيما بينهم ولم يرع الآباء مثل هذه القضايا تنشأ هذه الخصومات وينشأ هذا الفصام في أوساط الأسرة الواحدة من هذه الأسباب في هذا الإطار الجهل بمعنى الرحم في مجتمع كمجتمعنا حصروا الرحم على أنه الأخوات ونسوا الأرحام الآخرين نسوا الأعمام نسوا أبناء الأعمام نسوا الخالات والأخوال ونسوا أبناءهم ونسوا أن الرحم أوسع من هذا الفهم الضيق كل من له صلة لك بالنسب فهو رحم كل من كان لا يرثك من أسرتك ومن نسبك فهو رحم وإن بعد والصلة بعد ذلك تتفاوت من واحد إلى آخر فالرحم أشمل من هذا كله لقد كانت الأسر ربما قبل ثلاثين أربعين وخمسين سنة حينما كانت المجتمعات لا تزال في تماسك كان الواحد من آبائنا وأجدادنا ربما حينما يزور شخصاً إذا قيل له من هذا ؟ قال هذا فلان بن فلان بن فلان يصل به إلى رابع اسم أو خامس اسم لأنهم كانوا يعرفون حقيقة من هي الرحم لذلك حينما جهل الناس بمعنى الرحم تفككت هذه الأسر وصار كثير من الناس يحصر زيارته وصلته بهذا الجزء من الرحم هذا إذا زارها هذا إذا كانت لا تزال الأواصر والروابط موجودة وإلا فإن كثيراً من هؤلاء الناس قد قطعوا هذه الرحم وتركوا وصلها منذ زمن بعيد والواصل إذا وصل لا يصل إلا بالمناسبات إذا كان هناك عيد أو مناسبة أو فرح أو ترح وهذا في الحقيقة ليس من الوصل وهنالك من يعتقد أن الوصل هو بالتكافؤ زيارة بزيارة وصلة بصلة وهدية بهدية وإلا فلا فيعامل بالمثل وهذا ليس من الصلة في شيء يقول صلى الله عليه وآله وسلم – : «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»[3] لذلك وجد هذا التفكك الأسري في المجتمعات للجهل بمن هي الرحم وللجهل بطريقة الصلة من الجهل أيضاً أن بعض الناس يظن أن الصلة لا تكون إلا بالمال ولذلك شح كثير من الناس بالمال بل قطعوا أرحامهم لأنها مكلفة وهذا خطأ محض الصلة بالمال والهدية جزء من الصلة فإن كان لديك فذلك غاية الصلة وإن لم يكن لديك فكما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ” بلوا أرحامكم ولو بالسلام “[4] عبر الهاتف عبر رسالة نصية وإن كان بالزيارة فأفضل وأتم وأكمل لكن جهلنا بمعنى الصلة ومقومات الصلة ومحتاجات الصلة فلهذا قطعت الأرحام وتفككت الأسر لهذا الجهل – أيها الكرام – من أسباب التفكك الأسري الجهل بأساليب التربية فهنالك كثير من الآباء والأمهات يربون أبناءهم بنفس الطريقة التي تربوا عليها قبل ثلاثين وأربعين عاماً وتجاهلوا تغير الزمان بل وتغير المكان فالأساليب تتغير بتغير الزمان والمكان وبتغير العمر فبعض الآباء ربما تربى على قسوة شديدة فيعكس الأمر فيربي أبناءه على الدلال الزائد الذي يسبب ميوعة وفشلاً في الحياة فيؤدي إلى تفكك الأسر والعكس بالعكس ولذلك لابد من القراءة والدراسة والاستشارة والمتابعة والمشاهدة للبرنامج التربوية التي يسرها الله – عز وجل – عبر كثير من القنوات المعرفية سواء عبر القنوات الفضائية أو الشبكة العنكبوتية أو الكتب أو المجلات أو الكتاب الذين يكتبون في هذا الجانب للاستفادة منها
رابعاً : التسلط والقسوة والعنف بدعوة التربية هذه الظاهرة صارت موجودة في أوساط الأسر وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية العنف الأسري أو العنف في التربية فتجد أن الأب أو الأم إذا أراد أن يربي ولده لا يربيه بالتدرج فإن الأصل في هذا الجانب الرفق كما قال صلى الله عليه وآله وسلم – : «يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَمْ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»[5] فالرفق هو الأصل وإن الله تعالى – يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف في كل شيء فالرفق في التعامل والرفق في التأديب والرفق في الوعظ والرفق في كل شيء هو الأصل في هذا الجانب بعد ذلك قضية الهجر والضرب غير المبرح لكن هنالك من إذا أراد أن يؤدب ولده على شيء ربما يكون تافهاً بسيطاً ولكنه يربيه بعنف لدرجة أنه قد يستعمل الكهرباء أو يضرب بأسلاك الكهرباء أو يحبس أياماً طويلة ويمنع من الطعام والشراب وقتاً كثيراً وربما أثر ذلك الضرب في بدن المضروب وربما أثر على حالته النفسية وغير ذلك وتجده أحياناً ربما يضطرب بأساليبه التربوية فربما عامل الولد مرة بنفس هذا السلوك فشجعه وضحك وبش وهش في وجهه وأتى بنفس السلوك في موقف آخر فوبخه وضربه وهزأه إلى آخره فينشأ الولد لا يعرف كيف يتعامل لماذا كان هناك مثيراً للإعجاب ولماذا كان هنا مثيراً للسخط هذا يجعلنا نجهد أنفسنا لمعرفة الأساليب والطرق التربوية التي تعيننا على تربية أبنائنا وتجعل أسرنا أقرب إلى التماسك
خامساً : التدليل الزائد هنالك من يدلل أبناءه تدليلاً للغاية وهذا ينشأ الطفل على عدم المبالاة فهو يعرف حقه ولا يعرف ما عليه ينتظر متى يأتيه حقه وإذا لم يأته حقه أقام الدنيا ولم يقعدها هذه التربية بهذه الطريقة تؤثر سلباً على الأسرة برمتها لأنها تؤثر على هذا المتربي وتعوده على عدم المبالاة وبالتالي ينشأ لا يفكر بشيء اسمه تماسك اجتماعي ولا تماسك أسري ولا شيء من هذا
سادساً : الإهمال من جانب أحد الأبوين أو من كليهما وهذه قاصمة الظهر لأن المجتمعات اتجهت إلى الجهة المادية المحضة فتجد أن الأب قد غرق في النواحي المادية فتجهده مطحوناً في العمل اليومي صباحاً مساءً ولا يجد وقتاً للجلوس مع أبنائه ولا لتربيتهم وتوجيههم وإنما إذا وجد وقتاً يقضيه مع زملائه في كثير من العادات السيئة الأم ربما ليست منشغلة في هذا الجانب فهي منشغلة في أمور أخرى وربما ترك بعض الأبناء أحيانا إلى مربيات وربما تركوا في الشارع يربيهم كيفما يشاء فالشارع لا يعين على التربية الجادة والمربيات غير مكترثات بتربية جيل صالح ينشأ محافظاً على القيم الإسلامية والسلوكيات الفاضلة بل غاية ما تفعل هي أنها تطعم وتسقي وتلبس وكفى ها هنا – أيها الكرام – من التربية السليمة أن يكون الأبوان منشغلان في تربية أبنائهم التربية الصحيحة وأن يكون هنالك تعاون بين الأبوين فبعض الأحيان يكون الأب هو المنشغل في هذا الجانب والأم لا تبالي وبالعكس والواجب أن يكون هنالك تكامل بين الأبوين حتى ينشأ الولد على جناحين الجد من جهة والذي يلقاه من جهة الأب والحنان والرفق من جهة الأم سابعاً : من أسباب التفكك الأسري التفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث فالبعض يعامل الذكور غير معاملة الإناث أو يعامل الإناث غير ما يعامل الذكور فينشأ حقد بين الأبناء أنفسهم ما يؤدي إلى التفكك الأسري والواجب العدل والقاعدة في الإسلام اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم كما قال – صلى الله عليه وآله وسلم – ففي الحديث عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلاَمٌ، فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: «أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ، قَالَ: «لاَ تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، «لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»[6] ورفض أن يشهد على هذا العطاء مع أنه منحة أبوية لهذا الولد لكن لأن هذا ظلم وجور يؤدي إلى الأحقاد والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الإخوة قال : لا تشهدني على جور ثامناً: التمييز في المعاملة وفي إظهار المحبة والود والاحترام والتوقير والتبجيل إلى آخره مما يؤدي أيضاً إلى هذا التفكك الأسري بعد ذلك نأتي إلى غياب الدور الرقابي وهو جزء متفرع مما مضى بل بعض الآباء والأمهات لا يراقبون ولا يتابعون وهذه مشكلة عظيمة والرقابة لا تعني الشك وإنما تعني تقويم السلوكيات والأخلاق من هذه الأسباب أيضاً غياب الحوار البناء مع الأبناء فبعض الآباء والأمهات بنو أسرهم على القرارات الصارمة وكأننا في ثكنة عسكرية ما على الأبناء والبنات إلا أن ينفذوا الأوامر سواء كان ذلك فيما يخص الأسرة أو حتى فيما يخص الحاجيات الشخصية فبعض الآباء يتدخلون في تعلين أبنائهم ماذا يتخصص وأين يدرس ؟ وربما ألزموهم أن يتزوجوا بمن لا يحبون سواء كان في الذكور أو الإناث لابد أن يتزوج بهذه وكأن الذي سيتزوج الأب أو الأم وليس الولد أو البنت فتلزم البنت من الزواج من ابن عمها أو ابن خالها وهي لا توده ولا تحبه ويلزم الولد بأن يتزوج بابنة عمه أو خاله أو ابنة الجيران وهو لا يحبها وهذا يؤثر سلباً على الأسرة بعد ذلك فيؤدي إلى تفكك الأسرة برمتها ما بين هذه الأسرة المصغرة والأسرة الكبيرة فيؤدي إلى شقاق ومشاكل فيما بينهم ولذلك ينبغي جميعاً أن نتذكر قول الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) سورة التحريم آية (6)
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين وبعد :
نتيجة لتلك الأسباب التي أجملناها أو التي ذكرنا شيئاً منها وليس جميعها برز مظاهر التفكك في أوساط هذه الأسر من ذلك العنف في أوساط الأسرة فلأب ربما أو الزوج يعتدي على زوجته بالضرب باليد والعصي والركض بالأقدام والسب والشتم والإقذاع في ذلك إلى آخره ومن هذه المظاهر أيضاً الطلاق مظهراً من مظاهر التفكك الأسري أيضاً ما يحدث نتيجة للشقاق بين الزوجين خاصة إذا كان في حضرة الأبناء كيف يكون موقف الأبناء والبنات حينما يرون الأب يعتدي على الأم بالضرب والإهانة ويعتدي عليها بالكلام الذي ربما أحياناً يخرج عن طوره فيصل إلى حد القذف واللعن وما شاكل ذلك لا شك أن هذا يحدث شرخاً في هذه الأسرة ويحدث شرخاً في دار التعامل ما بين أفراد هذه الأسرة أيضاً من هذه المظاهر عضل البنات فهنالك من الآباء أو أوليات الأمور من يعضل البنات فلا يزوجها إذا جاءها من يود الزواج بها أو لا يزوج الثانية بحجة أن الأولى لم تتزوج فالأولى لم تتزوج إذاً يجب على بقية الطابور أن ينتظر حتى تتزوج هذه وإذا كان الله قد قدر لهذه أنها لا تتزوج فما ذنب أولئك لا ممنوع أما إنه يحتاج إلى أن تخدمه أو يحتاج إلى مال زائد وكأنها سلعة يبتاع بها ويشتري فيعضلها ولا يزوجها وياويل هذه البنت أن تتكلم أن تخاطب أخاها أو عمها فضلاً على أن تذهب إلى الحاكم لتقول له إن أبي عضلني فإن الرصاصة ستصل إلى قلبها إن فعلت ذلك هل بعد هذا العضل من عضل وهل بعد هذا التفكك من تفكك يجب على الآباء أن يعودوا النظر بل يجب علينا جميعاً أن نعيد النظر في هذه المسألة الكبيرة وإن كان الشرع قد رخص للبنت التي عضلها وليها أن تشتكي بهذا الولي إلى القاضي ويقوم الحاكم بإلزامه بالعقد أو يقوم مقام الأب في العقد بمن يريدها لكنها في مجتمعات كمجتمعاتنا لا تستطيع أن تفعل شيئاً من مظاهر التفكك الأسري الخصومة بين الزوجين بحضرة الأبناء وجود الحرمان العاطفي والتربوي بين الأبوين فينعكس ذلك على الأبناء وقد قرر كثير من الباحثين في الجانب الأسري أن الجانب العاطفي وشغر هذا الجانب العاطفي بالنسبة للأبناء مما يعنيهم على الترابط والتماسك ويعنيهم كذلك على التحصيل العلمي الحفظ التقدم في النواحي الدراسية لأن الخواء الروحي يؤدي إلى شرود الذهن أن هذا الشاب أو تلك الشابة عندها قضية ما شغرها أحد في أوساط الأسرة وكذلك قرر كثير من الباحثين أن أكثر المجرمين الذي يرتكبون الجرائم ويقلقون السكينة أغلبهم من هذه الأسر المتفككة فالذين يقتلون ويسرقون ويشربون الخمور والمخدرات ويقلقون الأمن أغلبهم من هذه الأسر الحلول باختصار – أيها الكرام :
أولاً : الرجوع إلى الله تعالى – وإحياء أمره في أوساط البيوت .
ثانياً مراجعة وسؤال المتخصصين سواء كانوا أفراداً أو مراكز لأخذ الاستشارات منهم
ثالثاً : تفعيل الحوار والنقاش في أوساط الأسر
رابعاً : لا يقطع في شأن خاص بأفراد الأسرة إلا بعد أخذ رأيه ومشورته
خامساً : إذكاء روح الحب والود وإشباع الرغبات العاطفية وخاصة عند البنات
فنسال الله تعالى أن يشملنا برعايته وأن يعيننا على بناء أسرنا البناء الصحيح وأن يجعل أسرنا أسراً متماسكة مترابطة إنه ولي ذلك والقادر عليه اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولها ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم اسقنا الغيث وآمنا من الخوف ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث الهنيء المبارك ولا تهلكنا بالقحط والسنين اللهم اجعله غيثاً مغيثاً غدقاً طبقا مجللاً إلى يوم الدين اللهم آمنا في أوطاننا وسائر بلاد المسلمين اللهم اجعل بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين اللهم من أراد بنا وببلادنا سوءاً فاجعل كيده في نحره وأشغله في نفسه يا سميع الدعاء اللهم اغفر لمن حضر هذه الخطبة ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه واغفر لمن بنى هذا المسجد ولوالديه ولمن صلى فيه في كل وقت وحين يا رب العالمين اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
[1] – مشكاة المصابيح 2/ 929
[2] – الترمذي 4/ 322
[3] – البخاري 8/ 6
[4] – سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 378
[5] – أبو داود الطيالسي 3/ 110
[6] – البخاري 3/ 171




اضافة تعليق