تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

عداوة الشيطان للإنسان

aammإن من ألد أعداء الإنسان الشيطان الرجيم الذي عصى الله – عز وجل – بأن يسجد آدم إكراماً له وعبادة للع جل وعلا – حسداً منه فالله جل وعلا- جعل  الشيطان الرجيم من جملة بني آدم بل هو ألدهم على الإطلاق…

خطبة بعنوان : عداوة الشيطان للإنسان

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار    

فإن من ألد أعداء الإنسان الشيطان الرجيم الذي عصى الله – عز وجل – بأن يسجد آدم إكراماً له وعبادة للع جل وعلا – حسداً منه فالله جل وعلا- جعل  الشيطان الرجيم من جملة بني آدم بل هو ألدهم على الإطلاق ولذلك فإن الله جل وعلا – قد حذر بني آدم عربهم وعجمهم من إغواء الشيطان الرجيم وحذرهم من تزيينه وكيده ووساوسه فقال – سبحانه : (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) سورة فاطر آية (6) هذه الآية لو تأملها الإنسان وعمل وفقها لوقاه الله شر شياطين الإنس والجن إذا اتخذ الإنسان الشيطان عدواً وعرف مقدار عداوته وأخذ حذره وحيطته من هذا العدو نجا بأذن الله تعالى – في الدنيا والآخرة يقول الله تعالى – في محكم كتابه : ((يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )) سورة الأعراف آية (27) فتنة الشيطان فتنة عظيمة ومكره كبير لذا وجب على كل مسلم أن يستبصر كل الاستبصار بمكر هذا العدو من أجل العمل والتخطيط لجعل السبل الواضحة الجلية حتى لا يقع في حبائله إن إبليس قاعد لبني آدم في كل طريق الطريق الموصل إلى الله جل وعلا – هو طريق واحد قال تعالى : ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  )) سورة الأنعام آية (153)  سبيل الله واحد وحيثما ذكر سبيل الله في القرآن أو في السنة فهو و احد لا يتعدد إطلاقاً أما سبل الشيطان فهي كثيرة متفرعة على رأس كل طريق شيطان بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – حينما جمع الصحابة رضي الله عنهم- وخط في الأرض خطاً طويلاً تلا قول الله عز وجل – : ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  )) سورة الأنعام آية (153)

 وجعل سبلاً وطرقاً على يمين هذا الطريق طريق الله تعالى سبلاً عن اليمين وسبلاً عن الشمال ثم قرأ ((… وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  )) سورة الأنعام آية (153) قال إن على كل طريق شيطان يدعوا الناس إليها من أجابهم قذفوه في النار فالشيطان الرجيم قاعد لبني آدم في كل طريق من أجل إغوائهم وإضلالهم كما ذكر ربنا ذلك في كتابه العزيز ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ  )) سورة الأعراف آية (17)

فالشيطان قاعد للإنسان مدى حياته لا يفتر لا يتعب لا ييأس بل لا ينام فهو له بالمرصاد الشيطان يقطع على الإنسان كل سبيل يوصله إلى الله تعالى – ويتجه مع الإنسان حيث اتجه إما بالتزيين والتسويل وإما بالإغواء والإضلال فهو أمامه يقطع عليه الطريق الذي يسير به إلى الله – جل وعلا – قال ثم لآتينهم من بين أيديهم يمنعه من العمل يخذله يكسله لا يريده يعمل فيقطع عليه الطريق ويشككه في الآخرة وفي دينه وفي ربه وفي الجنة والنار ومن خلفهم يرغبه في الدنيا يعيدهم إلى الوراء يجعلهم يخلدون إلى هذه الدنيا وعن إيمانهم يقطعهم عن عمل الحسنات وعن شمائلهم يرغبهم في الشهوات والسيئات فهو باذل لكل جهد لإضلال البشر عن سبيل الله – تعالى – الشيطان- أيها الكرام _  لا يكل ولا يمل لا يتعب ولا ييأس بل لا ينام سأل الحسن البصري – رضي الله عنه – هل الشيطان ينام ؟ قال : لو نام لاسترحنا يعمل جاهداً ليلاً ونهاراً إبليس له أسلحة في إغواء وإضلال بني آدم أكثرها فتكاً ثلاثة أسلحة السلاح الأول : التزيين ثم يليه الإغواء ثم التحريش  سلاح التزيين فيزين للإنسان السوء ويجمله ليراه حسناً ألا ترى كيف يتلذذ شارب الخمر  وكيف يتلذذ الزاني وكيف يفرح السارق وكيف يسر من يأكل الربا إذ أنه يجمع المال الكثير وهلم جر هذا كله يأتي من تزيين الشيطان الرجيم لهذه القبائح وقس على هذا كل قبيحة يرتكبها بني آدم فإنه حال ارتكابها يرتكبها وهو يراها بأحسن صورها ولا يستشعر ببشاعتها إلا بعد انقضائها بدأ يشعر بالحسرة والاضطراب  بدأ يشعر بالندامة كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم – ((لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ»[1] أي في حال كمال إيمانه بل أخبر صلى الله عليه وآله وسلم – أنه حينما يقترف هذه المعصية أو غيرها يرتفع الإيمان من قلبه كأنه ظله فإذا قضى معصيته يعود الإيمان إلى قلبه ولكنه مؤمناً ضعيف الإيمان فيعود الإيمان مريضاً مهيضاً حينئذ يشعر بالحسرة والقلق وشيء من الندم لكنه ندم طفيف سرعان ما ينمحي عن قلبه وعن مشاعره وإذا أتت معصية أخرى جملها له وهلم جر فيزين المعاصي والشرك بالله – تعالى – أنظر إلى عباد القبور أنظر إلى من يذبح لغير الله تعالى – وينذر لغير الله تعالى – أنظر إلى عبده الشياطين والشمس والقمر والأصنام والأوثان كيف يتذللون ويتضرعون وكيف يخشعون ويبكون من أين أتاهم هذا كله ؟ إنه من تزيين الشيطان الرجيم أنظر إلى أهل الأهواء والبدع أنظر إلى الذين يذهبون إلى السحرة إلى المشعوذين إلى الدجالين أنظر أنظر من أين تأتيهم هذه الرغبة إنها من تزيين الشيطان الرجيم لمثل هذه الأعمال فالشخص الذي يتعلق بغير الله تعالى – ويذهب إلى ساحر أو كاهن يذهب وهو فرح وهو مسرور يعتقد أن الفرج قد أتاه وإذا دل على شخص في أطراف الدنيا ذهب إليه بكل سرور من أين جاءته هذه النفسية جاءته من تزيين الشيطان الرجيم لمثل هذه الأعمال زين النفاق بعض الناس يظن أن النفاق هو سيد الموقف وأنه الرجولة وأن الكذب هو الرجولة وأن الخداع والسياسات الكاذبة المزعومة أنها هي الرجولة وهي البطولة وهي غاية الانتصار من أين أتى هؤلاء الناس مثل هذه الأشياء أتتهم من تزيين الشيطان الرجيم لمثل هذه الأعمال فيزين الشرك والنفاق والقبائح الظاهرة والباطنة كي يوقعه في حبائله فإذا وقع تخلى عنه بعد ذلك

أيها الكرام :

إن الشيطان ليس قاعداً لفرد بعينه بل إنه يغوي أمم وشعوب أقوام واسمع إلى قول الله عز وجل – في قوم سبأ : ((وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ )) سورة العنكبوت آية(38) من هو الشيطان الرجيم وقف لهم بكل طريق وأغواهم وأضلهم وجعلهم عياذاً بالله تعالى – من الكافرين إنه يظهر الباطل في صورة الحق ويظهر الحق في صورة الباطل إنه يزين المنكر حتى يجعله معروفاً ويجعل المعروف منكراً يبرز الشر في صورة الخير ويصير الخير شراً يزين المعصية ويجملها ليغري الناس بها فلا يشبعون منها فإن المعصية إذا استمرأها الإنسان لا يشبع منها أبداً بل يبقى نهماً حتى لو صار غير قادر عليها تبقى الرغبة في داخله موجودة وإن كان غير قادر على إتيانها إن الشيطان الرجيم بتزيينه للشر كمثل أولئك الذين يدبلجون الصور ومثل أولئك الممثلين الذين يقلبون الحقائق ومثل كثير من الإعلاميين الذين يقلبون الحقائق على الأمة فيظهرون الخير بصورة الشر ويظهرون الحق بصورة الباطل ويقلبون الأمور ويجعلون الأمين خائناً والخائن أميناً ويجعلون الشرير صالحاً والصالح شريراً وهلم جر إن الشيطان الرجيم يشبه كثيراً هؤلاء بل هم المتشبهون به منه

أيها المسلمون :

إن الشيطان يقف وراء كل معصية فلقد أغوى آدم – عليه السلام – فقال له : ((فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى  )) سورة مريم الآيات ( 120- 122) مع أن الله تعالى – قال لآدم : ((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ  )) سورة البقرة آية (35)

فالله عز وجل – حذرهم من الأكل من الشجرة والشيطان سول لهذا الإنسان وزين له وقال له : لا أبداً هذه الشجرة هي شجرة الخلد فإذا أردت الخلود والبقاء وعدم الفناء فكل من هذه الشجرة فأكل منها فكان ما كان أنظروا كيف قلب الشيطان آدم الحقيقة وعكسها رأساً على عقب لقد زين الشيطان للأمم السابقة ما فعلوه رغم أن الله تعالى أرسل إليهم رسلاً : ((تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) سورة النحل آية (63) من الذي زين لقوم عاد حتى قالوا : من أشد منا قوة من الذي زين أيضاً لثمود : ((((وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ )) سورة العنكبوت آية(38) هذا سلاح التزيين أما سلاح الإغواء فالشيطان يغوي بني آدم والإغواء فيه إفساد لخلق الإنسان فيظهر الإنسان بخلق معكوس فكأن الإغواء يكون في الجانب العملي والتزيين يكون في الجانب الفكري فيزين له فكرياً فينقلب هذا الأمر إلى إغواء فيعمل هذا الإنسان بإغواء الشيطان الرجيم إذاً الإغواء يكون في الجانب العملي والتزيين يكون في الجانب الفكري ومن هنا يحصل الضلال لهذا الإنسان فيزين لهم الأفكار الباطلة يزين لهم المفاهيم يزين لهم البدع يزين لهم النظريات الفاسدة فتجد كثيراً من الأفكار الدخيلة تعلق في عول وأفكار كثير من الناس فتجدهم يحاربون الدين والفضيلة والأخلاق ويحاربون العادات وتجد كثيراً من الناس يتعلق بنظريات كتلك النظريات التي عفا عنها الزمن ولا يزال بعضهم رغم أن الغرب قد هدمها إلا أن البعض لا يزال يدافع عنها كنظرية دارون وغيرها من النظريات كيف علقت هذه النظريات في أذهان كثير من الناس وكيف صارت عندهم حقائق وكيف تقلبت الأمور فصارت حقائق القرآن ليست بحقائق وصارت حثالات أفكار البشر حقائق فللأسف الشديد هذا كله نتيجة لإغواء الشيطان وتزيينه إذاً فهو يزين الأفكار والمفاهيم والبدع والنظريات السيئة أما سلاح التحريش فقد قال – صلى الله عليه وآله وسلم – : «إِن الشَّيْطَان قد أيس أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّ فِي التحريش بَينهم»

أنظر إلى الحال الواقع والمعيش تجد هذا الحديث واضحاً جلياً أمام عينيك ما الحاصل بين المسلمين اليوم وخاصة في جزيرة العرب وجزيرة العرب يقصد بها امتداداً من اليمن إلى قريب الأردن وما حددها من دول المنطقة هذه عند المؤرخين يذكرون أنها جزية العرب وهي المعني بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَسَكَتَ عَن الثَّالِثَة أَو قَالَ: فأنسيتها))[2] الحاصل اليوم التحريش بين المسلمين هذا يدفع المال وهذا يخطط وهذا ينفذ هذا كله من عمل الشيطان فهنالك مليارات تدفع من أجل هذا التحريش هنالك خطط وهنالك أناس ينفذون هذا التحريش بين المسلمين قتال هنا وتفجير هنا وضرب للمصالح هناك وتطاحن بين الأحزاب وتخطيط هذا يريد هدم هذا وهذا يريد الاستعلاء على هذا من أين أتى هذا كله إنه من هذا الارتضاء الذي ارتضاه الشيطان لنفسه في جزيرة العرب أن يحرش لدرجة أنه يسول للظالمين القتل بحجج واهية على أنهم هم على الحق وغيرهم على الباطل إذاً الشيطان رضي وخاصة في الجزيرة رضي منهم بزرع الأحقاد والعداوات والخلافات بين القلوب والوجوه أحس هذا من أحس وعلم هذا من علم وجهله من جهله ولم يشعر به من لا إحساس له وهل تريد من الشيطان شياطين الإنس والجن يظهرون هذا جلياً وعلناً إنهم يعملون سراً ويدفعون الأموال وينفقونها لتنفيذ أغراضهم فيوجدون العداوة والبغضاء والشحناء والقتال والتنافس يوجدونها كل ذلك بتسويل الشيطان ارتضى الشيطان بذلك لأن الله تعالى قد أيسه من أن يعبد في جزيرة العرب التحريش أيها المسلمون سلاح مدمر من أسلحة إبليس لقد انتصر فيه انتصاراً عظيماً فانظروا لحال المسلمين اليوم في جزيرة العرب وفي الشام وفي شمال أفريقيا في البلاد المسلمة الحاصل هو هذا التحريش وهذا التزيين وهذا الإغواء وهذا الإضلال لقد حذرنا الله تعالى – من الاستجابة لما يمزقها من خطط الشيطان الرجيم واسمعوا لقوله تعالى : ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ  )) سورة الأنعام آية (65) هذه الآية حينما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم – قال أعوذ بوجه الله أو من تحت أرجلكم قال : أعوذ بوجه الله قال أو يلبسكم شيعاً قال : هذه أهون وفي الحديث عَن خبَّابِ بنِ الأرتِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ فَأَطَالَهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ الله صلَّيتَ صَلَاةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا قَالَ: «أَجَلْ إِنَّهَا صَلَاةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ وَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فمنعَنيها»[3]

فهذا قدر الله جار وماض في هذه الأمة فعندما تذيق هذه الأمة بأسها بأس بعض يكون الشيطان قد انتصر انتصاراً عظيماً وقد حقق ما يريد – أيها المسلمون – إن أي جريمة ترتكب على ظهر الأرض وراءها الشيطان إما بتزيينه أو إغوائه أو تحريشه فجريمة القتل التي تمزق الأمة ويستعلي فيها الأقوياء على الضعفاء إن ذلك من عمل الشيطان وتزيننه وتحريشه قال ربنا جل وعلا – في قصة موسى حينما استنجد به الإسرائيلي قال : (( .. فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ )) سورة القصص آية (15) هذا القتل من عمل الشيطان وهذا كنموذج في فرد فكيف بآلاف ومئات الآلاف التي تقتل لا شك أيضاً أنها من تزيين الشيطان وهناك من شياطين الإنس من فاق في عداوته وتخطيطه وإغوائه وتحريشه الشيطان الرجيم كما قال ذلك الشاعر :

فكنت جندياً من جند إبليس      فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي

بعض البشر ربما صاروا مدارس لأباليس وشياطين الجن يعلمونهم كيف يحرشون وكيف يزينون وكيف يغوون وكيف يخططون القتل خطر داهم تتحول الأمة إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف ولا شك أن القتلة الذين اغتروا بقوتهم هم الخاسرون يوم القيامة وفي الحديث عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، قَالَ: وَيْحَهُ، وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى؟ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ يَقُولُ: رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي؟ ” وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّكُمْ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا بَعْدَمَا أَنْزَلَهَا))[4]

أنظروا إلى همة الشيطان الرجيم إنه لم يسلط على فرد ولا يريد أن يغوي ألفاً بل ولا مليوناً إنه يريد إغواء من في الأرض أجمعين قال : ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ )) سورة الحجر الآيات ( 39- 40) لكنه استثنى حتى لا يقال له إنه كاذب وهو كاذب ولا يصدق إلا نادراً وفي أندر ما يندر يمكن أن يصدق هذا الشيطان ولكن الأصل فيه أنه كاذب وكذوب كما جاء في الحديث «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ …))[5]

أيها الإخوة الكرام :

الشيطان الرجيم قاعد في كل طريق يغوي بني آدم علينا أن نحذر منه ومن حبائله ومن تشكيكاته ومن خططه وأن نحذر كذلك من شياطين الإنس والجن أسأل الله تعالى – أن يحمينا وإياكم من كيد إبليس ومن خططه ومن شبهه إنه ولي ذلك والقادر عليه اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه

وبعد ..

فإن الشيطان الرجيم لا يمسك بيده عصاً يضرب به من يريد أن يغويه ولم يفتح السجون والمعتقلات من أجل أن يسجن من يخالفه ولكنه يوسوس ويأتي بالخواطر ويزين ويشوه ويضع الخطط من أجل أن يوقع الناس في حبائله فمن اتبعه فإنما اتبعه برضاه وبإرادته جاء إليه برجليه يمشي لينفذ ما يريد ولذلك فإن الشيطان يغوي كثيراً من الناس لأنه حقود وحاسد لأنه في النار فلا يريد أن يكون وحده في النار فهو يريد أن يكون معه من يؤنسه ومن يجاوره في نار جهنم ولذلك قال : ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ )) سورة الحجر الآيات ( 39- 40) فهو يرد من الناس أن يكونوا معه والله – سبحانه وتعالى – قد توعده أن يجعله هو ومن اتبعه في النار هذا الشيطان الرجيم يوم الحشر يوم يحشر الناس لرب العالمين يوم يكونوا على صعيد واحد يأتي بمنبره وينصبه ويخطب في أتباعه فيخطب بهم خطبة عصماء تبكيهم دماً ((وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْر خِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) سورة إبراهيم آية (22) الله تعالى – قد وعدكم يا بني آدم وعدكم الجنة أمركم بطاعته ونهاكم عن معصيته ينقلب واعظاً ما فيش وساوس هنالك ولا تسويل ولا شيء من هذا وما كان لي عليكم من سلطان لا سجن ولا سحل ولا قتل ولا رواء القضبان ولا شيء من هذا القبيل لم يكن عنده أمن ولا جواسيس ولا شيء من هذا وإنما مجرد وساوس ووعدتكم فأخلفتكم لا تلومني أنا أنا رأيت جهنم لوموا أنفسكم لأنكم أصحاب عقول لأن الله تعالى – أرسل إليكم رسلاً وأنزل إليكم كتباً وفيكم العلماء وفيكم الدعاء أنتم أصحاب عقول تفرقون بين الحق والباطل من أراد الحق عرف طريقه ومن ضل ومشى إلى الشر فيأتي إليه برجليه وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي يكفر بهؤلاء الناس جميعاً بهذه الملايين المملينة يكفر بهم وبطاعتهم وبإتباعهم ويتخلى عنهم ويتركهم وحيدين يقذف بهم عياذاً بالله تعالى –  في نار جهنم

أيها المسلمون :

حذار حذار من سبل الشيطان ومسالكه وإضلاله وإغوائه وتزيينه وتحريشه لأنكم ممن قال الله تعالى – فيهم ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ)) سورة الأعراف الآيات ( 201- 202)

فنتذكر نهاية هذه الآية فإذا هم مبصرون لابد أن يكون لنا بصر ثاقب نميز فيه بين الحق والباطل والخير والشر لابد من هذا الإبصار  قال ربنا في نهاية الآية ((وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ)) سورة الأعراف الآيات ( 201- 202) إخوانهم من الشياطين ومن شياطين الإنس من يغوي ويضلل فحذار حذار احذر من شياطين الإنس مثلما تحذر من شياطين الجن فإنهم كذلك يغوون يزينون يخططون يأتون بالشبه يقلبون الحقائق احذر منهم أشد الحذر واحرص على نفسك فالموت ليس بيدك وليس بينك وبينه موعد فلربما مت وأنت تقارف المعصية وأنت على أمر يغضب الله تعالى – فاحذر على نفسك من شياطين الإنس والجن

 أيها الكرام :

لنحذر على أنفسنا من وساوس الشيطان وخطراته علينا بالعلم فالعلم بصيرة لنقرأ آيات ربنا ولنتدبر آياته لنتق الله تعالى فالتقوى نور وبرهان ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )) سورة الأنفال آية  (29)

((وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ )) سورة النور آية (40)

نسأل الله تعالى أن يقينا وأن يحمينا جميعاً وأهلينا وذرياتنا وجميع المسلمين من الشياطين ومن شركه ووساوسه وأن يعصمنا من الشيطان الرجيم وأن يجعلنا من الطائعين له سبحانه وتعالى – اللهم خذ بنواصينا إلى طاعتك ردنا إلى دينك رداً جميلاً ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل اللهم اغفر لنا ذنوبنا عامة يا رب العالمين لا تخزنا يوم القيامة اغفر لمن حضر الجمعة  ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه قبل أذنيه واغفر اللهم لمن بنى هذا المسجد ولوالديه ولمن صلى فيه وتردد عليه وأعان على مصالحه في كل وقت وحين اللهم احفظ لنا بلدنا وأمننا ووحدتنا واستقرارنا يا رب العالمين من أراد بنا وببلدنا سوءاً فاجعل كيده في نحره وأشغله في نفسه واجعل كيده تدميراً عليه يا سميع الدعاء اللهم رد المسلمين إلى دينك رداً جميلاً انصر الحق وأهله واخذل الباطل وحزبه حيثما كان يا رب العالمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين


[1] – البخاري 8/ 164

[2] – مشكاة المصابيح 2/ 1187

[3] – مشكاة المصابيح 3/ 1603

[4] – ابن ماجه 2/ 874

[5] – البخاري 3/ 101

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق