بسم الله الرحمن الرحيم
|
عنوان الخطبة : |
الاعتبار باختلاف الليل والنهار |
رقم لخطبة : |
|
|
العنوان الرئيس : |
رقائق |
العنوان الفرعي : |
الاعتبار بتعاقب الليل والنهار |
|
تاريخ الخطبة : |
26/10/2013 |
اسم المسجد : |
عمر بن عبد العزيز |
الاعتبار باختلاف الليل والنهار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد:
فإن من آيات الله عز وجل – تعاقب الليل والنهار ومرور الليالي والأيام والشهور والسنون هذه الآية التي جعلها الله تعالى – عبرة وعظة وقد امتدح الله تعالى نفسه بهذه الآية فقال سبحانه : ((تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً )) سورة الفرقان الآيات ( 61-62) فوصف الله تعالى نفسه بأنه جعل في السماء بروجاً والبروج هي الكواكب العظيمة وقيل هي أماكن حراسة السماء وقيل غير ذلك والأصح في هذا والعلم عند الله تعالى – أن المقصود بذلك هي الكواكب العظيمة وهنالك كواكب في السماء أعظم من الأرض ومن القمر ومن الشمس هذه السماء التي أبهرت الفلكيين قديماً وحديثاً ولا يزالون يكتشفون أشياء لم تكن تخطر لهم ببال ومن أواخر ذلك أن الله تعالى لما قال في محكم كتابه : ((وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) )) سورة الطارق الآيات ( 1-3)
كان المفسرون الأوائل يفسرونها على ظاهرها لأن فهم القرآن يجب أن يكون على الظاهر والشريعة الإسلامية جاءت على الظاهر ولا ينتقل من الظاهر إلى الباطن إلا وفق أدلة تدل على ذلك كما فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم – فقد جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْذَنُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَيَأْذَنُ لِي مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْذَنُ لِهَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَمَنْ أَبْنَائِنَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَأَذِنَ لِي مَعَهُمْ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فَقَالُوا: أَمَرَ اللَّهَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَتْحَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ وَأَنْ يَتُوبَ إِلَيْهِ. فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، ” وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِحُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر: 1] فَتْحُ مَكَّةَ، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2] ، أَيْ فَذَلِكَ عَلَامَةُ مَوْتِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] “، فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَلُومُونِي عَلَى مَا تَرَوْنَ؟ ))[1].
فالصحابة فهموا على ظاهرها وابن عباس فهم المقصود إذاً الأصل في فهم القرآن هو الظاهر فالعلماء قديماً فسروا والسماء والطارق قالوا : أنه نجم فيها ولم يكونوا يعلمون الدقائق الموجودة في هذه الآية وما أكثر هذه الدقائق التي امتن الله عز وجل – بها على المتأخرين وخاصة على الذين من الله عليهم بالأجهزة الحديثة المتطورة عبر الأقمار الاصطناعية والتلسكوبات العظيمة فإنهم رأوا بأم أعينهم ما لم يره الأوائل ولا تناقض فقد أحسن من انتهى إلى ما علم ولكن العتب والعيب على من يخوض في أشياء لا يعلمها وإنما هي مجرد خواطر ووساوس لا أساس لها من الصحة من أواخر ما توصل إليه الفلكيون في حال أنهم كانوا يوجهون أجهزتهم التي ترى وتقرب الرؤية وأجهزتهم الأخرى التي تقرب الأصوات اكتشفوا أنه يوجد في السماء نجم هذا النجم له صوت كصوت طارق الباب وهذا مبثوث وموجود في المواقع الالكترونية وهذا هو المقصود بقول الله عز وجل – والسماء والطارق …. النجم الثاقب فأقسم الله تعالى – بالسماء وبهذا النجم الذي له صوت يشبه صوت طرق الباب اكتشفوا كذلك من خلال سماعهم لهذه الأصوات الغريبة وفي حال تقريبهم للصور والأصوات أنه يوجد نجم آخر له صوت مثل صوت المثقاب الذي يخرق به النجار الخشب والسباك أو الحداد حين يخزق الحديد أو الجدار نفس الصوت فالله تعالى يظهر هذه الآيات مبهرة لهؤلاء العالم كي يؤمنوا به – سبحانه وتعالى – ((: ((تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً )) سورة الفرقان الآيات ( 61-62)
فجعل البروج شيئاً وجعل الشمس والقمر آخر وهذا من باب كما يقول أهل العلم : ذكر الخاص بعد العام ـ كما يقول أهل العلم ـ تبارك الذي جعل في السماء بروجاً أي كواكب عظيمة كثيرة جداً من هذه الكواكب الشمس والقمر وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً ففرق الله هنا بين السراج وبين النور الشمس كوكب مضيء فيه حرارة عظيمة جداً القمر مجرد نور هادئ خافت هذا الكوكب يستمد هذا الضوء من الشمس ولذلك إذا انحرف دوران الأرض ما بين الشمس والقمر وحجبت الشمس عن القمر حدث الكسوف فإذا كان حجبت النور كلياً عن القمر كان الكسوف كليا وإذا كان جزئياً يحدث الكسوف الجزئي وهذا الأمر اكتشفه العلماء قديما تكلم به العلامة ابن القيم وتكلم به حتى الفلكيون قديماً وحديثاً لكن عند المتأخرين علم دقيق لدرجة أنهم يقدرون على تحديد متى يكون الكسوف والخسوف في أي يوم وفي أي شهر في أي ساعة في أي منطقة يرى كم مدة هذا الكسوف والخسوف الحاصل وهنا أن الله تعالى جعل الشمس سراجاً والسراج هو الذي فيه نار والنور ليس بالضرورة أن يكون فيه نار بل قد لا يكون كذلك فهو الضوء الخافت والله تعالى نوع بين هذا وهذا آية من آياته سبحانه وتعالى – فلولا هذا السراج الوهاج في النهار لفسدت الحياة ولولا ذلك النور في الليل لبقيت الدنيا ظلاماً دامساً لا يستطيع أحد أن يتحرك إطلاقاً على المؤمن أن يتفكر في هذه الآية ليزداد إيماناً وقرباً من الله تعالى – هذا السراج الوهاج ذكره الله تعالى في هذه الآية فقال : ((تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) ثم قال بعد ذلك : ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً )) سورة الفرقان الآيات ( 61-62)
أي يخلف بعضه بعضاً يتعاقب هذا مع هذا لا يختلفان إذا أتى هذا ذهب ذاك وإذا ذهب ذاك أتى هذا لا يمكن أن يحدث شيء من التصادم صحيح أنه قد يطول هذا أحياناً ويقصر الآخر وهي أيضاً آية من آيات الله العظمى هذه الآية ناتجة عن دوران الشمس وعن حركة الكواكب الشمس والقمر والأرض وما شاكل ذلك تحدث هذه الآية الجليلة لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون يمشيان بتقدير الله تعالى كل ذلك لماذا ؟ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً وشكر الله تعالى يكون إما بالقول وإما بالفعل وكل هذا من الشكر كما قال الأول :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يد ي ولساني والضمير المحجبا
فالقلب يشكر ويحمد واللسان كذلك والجوارح تشكر الله تعالى – وتحمده الوقت – أيها الإخوة – هو المقصود بهذه الآية الليل والنهار ونحن جميعاً نعلم أن الله تعالى خلقنا لغاية واحدة وهي عبادته – سبحانه وتعالى – وقد نبهنا مراراً وتكراراً أن حياة المؤمن لله جل وعلا – حتى أكله وشربه ومنامه وحركته وعمله ودخوله وخروجه كله من الحياة التي يجب أن يجعلها الإنسان لله تعالى – ويجب أن تكون في طاعة الله تعالى – ولا يصير شيئاً من ذلك لغير الله تعالى – ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) سورة الأنعام الآيات ( 162- (163)
وقد كان سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – كانوا يحتسبون كل شيء نومهم وأكلهم وشربهم ينوون به التقرب إلى الله تعالى – عملهم وكسبهم للرزق وكلامهم وضحكهم وابتساماتهم كل ذلك يجعلونه لله تعالى.
رؤي عمر رضي الله عنه يوماً في الضحى أطال الصلاة فقيل له إنك فعلت اليوم أمراً لم تكن تفعله من قبل ففهم المقصود قال : إنه فاتني شيء من وردي في الليل فأحببت أن أقضيه وفي الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ ـ أَوْ قَالَ: جُزْئِهِ مِنَ اللَّيْلِ ـ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فَكَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ “))[2] وشفع له يعني إذا كان يصلي خمساً فليصل ستاً وإذا كان يصلي سبعاً فليضف إليها ركعة أخرى لأن الوتر لا يكون إلا بالليل أما النهار فصلاته شفعية وفي الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ “))[3] فإذا راجعنا أنفسنا وحاسبناها كم من الله تعالى علينا من الفراغ والصحة ؟ وكثير من النعم في أي شيء استغللناها ماذا فعلنا فيها ؟ وفعلاً نعمتان مغبون أي خسران فيهما ومتحسر ومتندم عليهما كثير من الناس هما الصحة والفراغ فإما أن يشغلها الإنسان في الطاعة أو في المعصية ولا ثالث لهذين القسيمين إن هاتين النعمتين من أجل نعم الله على العبد ولهذا كان كثير من الناس يفسدون نتيجة هاتين النعمتين كما قال الأول :
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
يفسد المرء إذا من الله عليه بالصحة وأنعم الله عليه بالمال ولم يستغلهما في طاعة الله عز وجل – فيجب علينا ونحن في خاتمة هذا العام الهجري علينا أن نحاسب أنفسنا وعلينا أن نراجع أعمالنا وعلينا أن نستغل ما تبقى منه وأن نلهج بذكر الله تعالى – وإلا فإننا سوف نتندم ونعض على أنامل الندم يوم لا ينفع الندم لا يتحسر العبد بين يدي الله تعالى – وحين تأتيه قيامته وتغرغر روحه لا يتحسر على شيء مثل تحسره على وقت فرط فيه ولذلك إذا تحسر الإنسان لا يطلب إلا أن يرجع ليطيع الله تعالى – ليرجع من أجل أن يسبح تسبيحه أو يحمد الله تعالى تحميده واحدة أو يصلي لله تعالى ركعة ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) سورة المؤمنون الآيات ( 99- 100)
لأنه يعرف الحقيقة الآن فهو يتمنى أن يرجع ليعمل صالحاً أو ليستكثر من العمل الصالح فأسأل الله تعالى – أن يوقظ ضمائرنا وأن يجعلنا ممن يستغل نعمه حق الاستغلال وأن نسخرها في طاعة الله تعالى – أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحابته أجمعين :
وبعد :
أيها الإخوة الكرام :
لا شك أن السنين بل الدقائق والثواني هي رأس مال الإنسان في هذه الحياة وإذا مرت ثانية فإنها لا يمكن أن ترجع إطلاقاً وإذا فرط الإنسان فيها فإنه يفرط في عمره وفي حياته وهيهات أن تعود الشمس إلى الوراء أو يعود الوقت إلى الوراء إن من الواجب علينا ونحن نرى هذه الآية تعاقب الليل والنهار والأيام والسنين علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب كما قال عمر رضي الله عنه – ونزن أنفسنا قبل أن نوزن فإن من فرط في حياته فإنه يخسر خسارة عظيمة والعمر يمر كمر البرق ولو سأل الإنسان نفسه كم مضى عليك من العمر لقال قليلاً وهكذا ابن آدم في الدنيا وفي الأخرى ربما لا يشعر إلا في حال الوهن والضعف يشعر بأنه فعلاً فرط في حياته بل إن الإنسان مجبول ومفطور على طول الأمل كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((” يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ، وَطُولُ الْأَمَلِ ))[4]
عنده أمل طويل هذا الأمل الطويل لا يقطعه على ابن آدم إلا الموت وكذلك الحرص ربما يكون مبعثراً بالمال يلعب به ويأكل منه ويشرب منه ويكتسي منه فإذا مضى العمر عليه كلما مر عليه شيء من الأيام إذا به يحرص على هذا المال أشد الحرص ويكون شحيحاً لماذا لأنه يشب به هذا الطبع وهذه الغريزة وكذلك طول الأمل سيعمل وسيفعل ويخطط للمستقبل ولقادم الأيام ولكن يأتيه الموت بغتة
أيها الكرام :
مرور فصول السنة آية أخرى من آيات الله تعالى – وتقلب هذه الأيام من صيف إلى شتاء إلى ربيع إلى خريف هي أيضاً آية أخرى من آيات الله تعالى – ولهذا فإن الإنسان يفتر في بعض الوقت وينشط في الوقت الآخر وهذه سنة من سنن الله تعالى – كما في الحديث (( إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل»[5]
أي نشاط وقوة وبعد هذا النشاط يأتي الفتور الحياة هكذا كلها والأشياء طبيعتها كلها هكذا الإنسان يبدأ بنشاط ثم ينزل إلى الضعف وهكذا الدول وانظروا إلى ما حولنا كل الكائنات تمشي على هذا القانون وعلى هذا النظام والله تعالى خلقنا من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة فالإنسان في حال نشاطه في بعض الأحيان شيئاً من عمره يكون عنده نشاط للتقرب والطاعة وينوع من هذه الطاعات والعبادات ولكن يأتي وقت حتى وهو في حال الشباب يشغل ويتعب ويمرض ويحدث له نوع من الفتور لكن من كانت فترته إلى الاعتدال فهو لا يزال في الخير وأما من فتر وانحرف فهذه هي المشكلة .
أيها الكرام :
أحياناً يفتر الإنسان في بعض الفصول كفصل الصيف على سبيل المثال نتيجة للحر فيفتر في الطاعة والعبادة لكن يمكن أن يعوض ذلك في الشتاء الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصام وطال ليله فقام ))[6] النهار فيه قصير والجو فيه طيب يستطيع فيه الإنسان أن يكثر من الصيام وقراءة القرآن والذكر ويقوم الليل إلى آخر ذلك لأن الليل يطول في مثل هذا الفصل فعلينا إذا كنا قد فرطنا في الصيف أن نستغل الشتاء نتيجة لقلة ساعاته فيمكن للإنسان أن يصوم أياماً كثيرة ويكثر من الطاعات والتقرب إلى الله تعالى – أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا إلى مرضاته وأن يأخذ بنواصينا إلى طاعته وأن يفغر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يثبت أقدامنا وأن يتوفنا وهو راض عنا إنه ولي ذلك والقادر عليه اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أسألك يا مولاي يا ربي يا غفور يا ودود يا أكرم الأكرمين يا حنان يا منان أسألك يا ربنا أن ترضى عنا في الدنيا والأخرى وأن تسكنا جناتك العليا وأن تعيذنا ووالدينا والسامعين أجمعين من النار الله آتي نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا رب العاملين اللهم اجعلنا لك ذاكرين ولآلئك شاكرين اللهم حكم في المسلمين كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم – اللهم عجل بفرجك لعبادك المؤمنين يا رب العالمين اللهم من أراد بنا وببلدنا سوءاً فأشغله في نفسه واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء اللهم عليك بكل ظالم وكل طاغية إنك على كل شيء قدير اللهم أرنا في المجرمين عجائب قدرتك يا أكرم الأكرمين يا عزيز يا جبار يا منتقم اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون وأقم الصلاة
والحمد لله رب العالمين
[1] – فضائل الصحابة 2/ 959
[2] – سنن النسائي 3/ 259
[3] – البخاري 8/ 88
[4] – السنن الكبرى للنسائي 3/515
[5] – موسوعة الألباني في العقيدة 4/ 254
[6] – ضعيف الجامع الصغير وزيادته 1/ 502




اضافة تعليق