تابعنا على

إنتاجات الشيخ غير مصنف

معالم الرجولة الحقة

والوصف بالرجولة في بعض المواطن تعريف مقصود يوحي بمقومات هذه الصفة من جراءة على الحق ومناصرة للقائمين عليه.

معالم الرجولة الحقة

العناصر:

1- تعريف الرجولة.

2- استعمالات القرآن للرجولة.

3- رغبة النبي صلى الله عليه وسلم بالرجولة.

4- أين تكمن الرجولة؟

5- ميزان الرجولة عند الناس.

6- ميزان الرجولة في الشريعة.

أما بعد:

عباد الله:

يقول الله تعالى ((مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )) سورة  الأحزاب آبة(23).

وقال سبحانه ((رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ )) سورة النور آية (37).

سنتكلم اليوم بإذن الله  تعالي عن معالم الرجولة الحقة التي امتدحها الله في كتابة الكريم.

مادة: ((  رجل)) تدل في لغة العرب على طائفة كبيرة من المعاني غير الذكورة والمقابلة للأنوثة  في بني الإنسان فستخدم أولا :للمفاضلة : تقول العرب في المفاضلة بين الاثنين وتفوق أحدهما على صاحبة (( أرجل الرجلين )).

تستخدم للدلالة على القدرة على التصدي للأحداث: فيقال فلان رجل الساعة وتستخدم للمباهاة بالشرف والثناء تقول: هو من رجالات قومه.

وعند ورودها في القرآن تضيف مع دلالاتها على النوع معان أخرى تسمو بالنوع إلى الرفعة والامتياز.

فاستعمل القرآن كلمة (رجالا) وصفا للمصطفين الأخيار فقال سبحانه ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ)) سورة يوسف آية (109).

والوصف بالرجولة في بعض المواطن تعريف مقصود يوحي بمقومات هذه الصفة من جراءة على الحق ومناصرة للقائمين عليه.

قال تعالى :((وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ)) سورة القصص آية (20)

وقال تعالى :((وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)) سورة غافر آية  (28).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى الرجولة التي تناصره وتعز به دعوته فكان يقول ((اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال وكان أحبهما إليه عمر ))[1]

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى الرجولة  التي تؤثر في نشر الدعوة  وإعزاز الإسلام.

واستجاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم  فأسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان حدثا كبيرا وحدث رجولية في اللحظة الأولى من إسلامه فبعد أن كان المسلمون لا يجرؤن على الجهر بدينهم جهروا به.

قال ابن مسعود رضي الله عنه (( مازلنا  أعزة منذ أسلم عمر ))[2]

فلم تكن رجولة عمر في قوة بدنه ولا في قوة فروسيته ففي قريش من هو أقوى منه ولكن رجولته كانت في إيمانه القوى ونفسه الكبيرة التي تبعث على التقدير والإكبار.

إن عمر رضي الله عنه يضع البرامج لتعليم الرجولة فيقول (( علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل))

إن الرجولة مطلب يسعى للتحميل بخصائص أصحاب الهمم ويسمو بمعانيها الرجال الجادون وهي صفة أساسية فالناس إذا فقدوا إطلاق الرجولة صاروا أشباه الرجال غثاء كغثاء السيل.

إن الرجولة ترسخ بعقيدة قوية وتهذب بتربية صحيحة وتنمى بقدوة حسنة .

أيها الأخوة المسلمون:

إن كثيرا من الناس يخطؤون في وزن الرجال فينتظرون إلى الجانب المادي فحسب فمن كان عنده حسن المظهر قويا في بدنه كثير المال فهو الرجل وهذا ليس صحيحا فالرجولة الحقة في ميزان الشرع.

من كانت أعماله فاضلة وأخلاقه حسنة وإليكم البرهان فقد مرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال (( ما تقولون في هذا ) قالوا: حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع . قال ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال ( ما تقولون في هذا ) قالوا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع  فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ))[3]

إن الرجال لا يقاسون بضخامة أجسامهم وبهاء صورهم  فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يصعد على شجرة وأن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساقيه فضحكوا من حموشة ساقية  فقال  صلى الله عليه وسلم:((  مما تضحكون ؟ رجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد)) [4]

فالرجولة الحقة رأي سديد وكلمة طيبة و مروءة وشهامة وتعاون وتضامن، الرجولة تحمل المسئولية في الذب عن الدين عن التوحيد والنصح لدين الله((وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ)) سورة القصص آية (20)

الرجولة قوة في القول وصدع بالحق وتحذير من المخالفة في أمر الله مع حرص وفطنة ((وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)) سورة غافر آية (28).

الرجولة صمود أمام الملهيات واستعلاء على المغريات كما قال تعالى  ((رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ )) سورة النور آية (37).

الرجل الحق : يصدق في عهه ويفي بوعده ويثبت على الطريق قال تعالى ((مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)) سورة الأحزاب آية (23).

فليس إذا الرجال الذين نعنيهم  أولئك المنغمسين في الملذات والشهوات.

ليس من الرجال أولئك الذين قعدوا عن معاني الطاعات واعرضوا عن خالق الأرض والسموات .

بل نبغي الذين عناهم القرآن ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً )) سورة الفرقان(63).

ليس من الرجولة  أن يكون الشاب إمعة أن أحسن الناس أحسنوا وأن أساؤوا أساء .

هل من معاني الرجولة أن تكون غاية مراد الشباب شهوات قريبة ولذة محرمة في ليلة عابثة.

هل من معاني الرجولة أن يكون الشباب متبعا لموضات الغرب في قصات الشعر ولبس الضيق ووضع المساحيق على الوجوه .

أين هؤلاء الشباب من رجل قلبه معلق  في المساجد

أين هؤلاء الشباب من رجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب فقال: إني أخاف الله.

أولئك يمقتهم الرحمن وهؤلاء يدنيهم ويظلهم في ظل عرشه.

أخيرا: إخوة الإسلام أن الرجولة الحقة أخبرنا بها و أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في الحديث  الذي رواه  الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة  رضي  الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ))[5]

والمراد  بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة وفي أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد وأسرع خروجا إليه وذهابا في طلبه وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى  وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبها والمحافظة عليها ونحو ذلك فالرجولة ليست بضخامة البدن ولكن بقوة الإيمان والإرادة .

ترى الرجل النحيف فتزدريه          وفي أثوابه أسد هصور

ويعجب بالطرير فتبتليه                    فيخلف ظنك الرجل الطرير

نسأل الله عز وجل أن يقوي إيماننا وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته اللهم أمين.

 

 


[1] سنن الترمذي 5/617

[2] – البخاري 3/1403

[3] – البخاري 5/1958

[4] – المعجم الكبير 5/95

[5] – صحيح مسلم 4/2052

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق