لا يزال العلم يكتشف شيئا من هذه الحكم والأسرار التي تزيد المؤمن إيمانا وتزيده رسوخا وتزيده ثباتا على هذا الدين وتجعله يوقن أن هذا الدين هو دين الحق.
من حكم الحج وأسراره
العناصر:
1- فصل أشهر الحج 2- فضل الحج 3-منافع الحج 4-تحيق التوحيد 5- فضل العشر من ذي الحجة.
أما بعد:
عباد الله:
فإن الله جل في علاه نوع لعباده ما أوجب عليهم وما كلفهم به من العبادات ذلك كي لا تمل هذه النفس من البقاء على وتيرة واحدة في قضايا تقربها إلى الله تعالى .
ونحن نعيش في هذه الأيام أجواء ركن من أركان الإسلام ألا وهو حج بيت ا لله الحرام الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان))[1]
وقد أوجب الله تعالى على عباده حج بيته فقال ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )) سورة آل عمران آية (97).
إن جميع الطاعات والتكاليف التي يكلفنا الله عز وجل بها لا تخلو عباد من العبادات و لا تكليف من هذه التكاليف من حكم وأسرار وفوائد ودروس وعبر يستفيد منها المسلم في حياته في طريق سلوكه إلى الله
عز وجل.
هذه الحكم والأسرار علمها من علمها وجهلها من جهلها ولكن تعلق بعض القلوب بالأمور العاجلة من هذه الدنيا أعماها عن تلك الأسرار والفوائد وعن تلك الحكم التي من أجلها شرع الله عز وجل تلك العبادات فتعلقت كثير من القلوب بالفاني ونسيت الباقي قال الله تعالى : ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)) سورة الكهف آية (46).
إن قلوب المتقين لتسير إلى الله تعالى سيرا حثيثا لأنها أبصرت بيقين وعلمت بيقين معاني تلك العبادات وأسرارها وعلمت وأيقنت تلك الحكم التي من أجلها شرع الله تبارك وتعالى تلك العبادات .
إن الله تعالى يقول : ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)))سورة الحج الآيات (27-28).
هذه المنافع التي لم تحصر في هذه الفريضة فحسب ولكنها في كل تكليف كلفنا الله به.
ولا يزال العلم يكتشف شيئا من هذه الحكم والأسرار التي تزيد المؤمن إيمانا وتزيده رسوخا وتزيده ثباتا على هذا الدين وتجعله يوقن أن هذا الدين هو دين الحق.
إن الله تعالى يرى هؤلاء آياته فيقول جل في علاه :((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) سورة فصلت آية (53).
يرينا الله تعالى كثيرا من الحكم والأسرار والآيات في هذا الكون وفي العبادات التي أمرنا وكلفنا الله عز وجل بها.
إن من عرف هذه الحكم وهذه الأسرار لن يتوانى عن أداء الطاعات ولن يتكاسل عن أداء العبادات بل إنه سيكون من المسابقين ومن المسارعين لإرضاء رب العالمين لأنه أيقن أن هذا الدين هو الحق .
وسيستفيد من ذلك فائدة عظيمة لن تكون عباداته عادات بل إنه لما يجد ولما يستشعر من هذه الحكم ومن هذه المعاني يزداد إيمانه تعمقا و يتجذر في قلبه فيجد من الراحة والسعادة مالا يجد غيره .
إن الله تعالى وزع هذه الحكم تارة في الصلاة وتارة في الزكاة وتارة في الحج وغير ذلك من الأسرار التي جعلها الله عز وجل سواء كان ذلك فيما أمر أو فيما نهي عنه وزجر فما أمر الله تعالى بأمر إلا لمصلحة وما نهي عن شيء إلا لمصلحة والله تعالى خبير بما يصنع وعليم بما يفيد وينفع عباده قال الله تعالى ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) سورة تبارك آية (14) .
إن من أعظم أسرار الحج ذلك الشعار العظيم الذي فيه من المعاني والحكم رغم قلة كلماته إلا أن المعنى عظيم جدا .
أعني بهذا الشعار تلك التلبية التي علمنا إياها رسولنا عليه الصلاة والسلام مخالفة لما كان عليه أهل الشرك عباد الأصنام والأوثان الذين كانوا إذا حجوا قالوا : ((لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ))[2].
فجاء النبي عليه الصلاة والسلام هادما للشرك في كل عبادة من العبادات داعيا إلى السلوك القويم وإلى الخلق العظيم وإلى الصراط المستقيم فكان من جملة ما علم أن قال للناس: لبوا لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
فما معنى لبيك؟
يعني إجابتك إجابة بعد إجابة.
ليست إجابة واحدة ولكنها إجابة بعد إجابة فأنا أجبتك في الصوم وأجبتك في الصلاة وأنا أجبتك في الزكاة وها أنا ذا أجيبك في الحج لبيك لا شريك لك .
لا شريك لك في ربوبيتك لا شريك لك في أولوهيتك ولا شريك لك في أسمائك وصفاتك هذه المعاني التي كان أهل الجاهلية يعلمون معناها منذ جاء صلى الله عليه وسلم وقال : ((يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا ))[3]
هذه الكلمة التي تتكون من أحرف قليلة جمعت خيري الدنيا والآخرة فتعجب القوم !!
ماذا يريد منا محمد صلى الله عليه وسلم؟
يريد منا أن نختزل وأن نختصر هذه الآلهة التي نعبدها والمنصوبة حول البيت الحرام ثلاثمائة وستون صناما نتركها ونعبد إلها واحدا ؟
فتعجبوا قائلين : ((أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) سورة ص آية (5).
تعجبوا لفساد عقولهم تعجبوا لفساد تصورهم تعجبوا من هذا الكلام لأنهم تربوا على تقليد الآباء الأجداد ساروا على مناهج معوجة وإلا فهم إذا نزلت بهم النوازل يلتجئون إلى الله .
قال الله تعالى : (( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ )) سورة يونس آية (22) وقال : (( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)) سورة العنكبوت آية (65).
هذا الشعار العظيم الذي يردده الحاج منذ أن يأتي الميقات ويلبس لباس الإحرام يستمر في هذا الشعار إذ فيه تذكير لنفسه وفي إشاعة هذا الشعار في هذا الجمع العظيم يسمعه القاصي والداني في هذه الأيام عبر الإذاعات وعبر التلفاز عبر القنوات الفضائية يراه المسلم ويسمعه يراه المشرك ويسمعه إنه يردد لهذا الشعار الذي هو خلاصة هذه الحياة .
خلاصة الغاية التي من أجلها خلق الإنس والجن قال الله تعالى : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) سورة الذاريات آية (56).
لبيك لا شريك لك لبيك إعلان لتوحيد الله سبحانه وتعالى.
توحيده في ألوهيته فلا يعبد غيره وها هي الجموع يتجهون لعبادة الله سبحانه وتعالى .
وفي ربوبيته فهم يشهدون أنه هو الخالق أنه هو الرازق وأنه هو الذي ينفع وأنه هو الذي بيده الضر والنفع وليس هناك شخص بيده نفع ولا ضر لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي مقبور ولا شخص قريب أو بعيد النفع والضر بيد الله سبحانه وتعالى.
لبيك لا شريك لبيك .
والله تعالى إنما شرع الحج من أجل هذا قال الله تعالى:((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ)) سورة آل عمران آية (97).
من حج لله أي ليس رياء ولا سمعة.
من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.
وترداد الشعار بتلك الجموع والاستمرار في ترداد هذه الشعار منذ أن يلبس الإنسان الإحرام ويلتبس بالنية إلى أن يرمي جمرة العقبة وهو يردد هذا الشعار يردده في نفسه ويعلن للجموع وينقل لأرجاء والأرض عبر الأثير وعبر البث المباشر يسمعه الملأ كله أنه لا شريك له عز وجل لا في إلهيته ولا في ربوبيته فما سواه من الآلهة باطل وما هو سواه من الأرباب باطل ولا يمكن أن يداني الله عز وجل لكن الفرق بين الخالق سبحانه والمخلوق عظمة الله عز وجل ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في ربوبيته ولا في أسمائه وصفاته .
فتقول فلان جبار ولكن جبروته ليس كجبروت الله .
فلان عزيز ولكن عزته ليست كعزة الله سبحانه.
فلان رحيم لكن رحمته ليست كرحمة الله سبحانه .
فصفات الله تعالى غاية في الجمال والكمال.
هذا الشعار الذي يحمد الله عز وجل فيه الحاج والمعتمر يحمده على نعمة الإسلام يحمده على مبعث محمد صلى الله عليه وسلم يحمده على كمال التشريع يحمده على صفاء المعتقد يحمده على تنوع العبادات يحمده على هذا الإخاء في هذه الأمة يحمده على أ ن جعل الناس جميعا في صف واحد لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا ملك ولا مملوك ولا رئيس ولا مرؤوس و لا غني ولا فقير لكهم في صعيد هذه المشاعر المقدسة على السواء.
تركوا أموالهم وتركوا جاهم وأوطانهم وتركوا جيوشهم وتركوا ملا بسهم الفاخرة ومراكبهم الفارهة أتوا إلى الله بصفة واحدة يرتدون لباسا واحدا هو أقرب ما يكون إلى الأكفان ليذكرهم أن معادهم واحد.
إن الحمد والنعمة الحمد لك والنعمة كلها لك يا رب العالمين لا شريك لك في شيء من هذا فإنك وإن حمدت إنسانا فحمد يليق به إما حمد الله تعالى فله المحامد كلها وإن سميت إنسان ملكا فإن الملك الأعظم لله وهذا الملك هو مملوك لله سبحانه وتعالى .
هذا الشعار الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام (( خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ))
المعنى أنك لو بقيت تردد هذا الشعار في صعيد عرفة ولم تطلب مسألة من الله تعالى لكان ذلك كافيا
ولأعطاك الله سؤلك فإن الثناء على الله أعظم من الدعاء.
ولهذا كان في صلاتنا أول ما نصنع أن نثني على الله تعالى الحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ))إلى أن تقول في الدعاء بعد ذلك أهدنا الصراط المستقيم هذا الثناء كله من أجل أن تنال ما تريد وما تطلب من الله سبحانه وتعالى.
ولهذا قال ا لشاعر :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضك الثناء
يعني أن الكريم يكفيه أن يثني عليه لا أن تريق ماء وجهك أمامه فإذا جاء الكريم من الناس قلت له مرحبا بأبي المساكين ادخل يده في جيبه وأعطاك وعرف حاجتك فلست بحاجة إلى أن تذل نفسك أمامه أو تقول أنا بحاجة إلى المال.
فلو بقيت تثني على الله عز وجل بهذا الشعار لا إله إلا الله وحده لا شرك له ..إلخ لكان كافيا ولأعطاك كل ما تتمناه فهو سبحانه أعلم بمقصدك وبما جئت من أجله قطعت هذه القفار وأتيت إلى هذا المكان ماذا تريد غير المغفرة للذنوب غير أنك تريد رضوانه غير أنك تريد جنته .
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي ((ماذا تقول في دعائك؟
قال : إنني أَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ أَمَا إِنِّى لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- (( حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ ))[4].
هذا الشعار العظيم الذي من عرف معناه وأيقن في قلبه هذه المعاني وهو يرددها ترتعد فرائصه وتخشع جوارحه ويسيل دمعه وهو يقول لله : أنا أجبتك إجابة بعد إجابة أنت خالقي وأنت مالكي وأنت إلهي وأنت ربي الذي لك الملك كله والنعمة كلها والحمد كله لك فالله تعالى لن يخذل هذا العبد أبدا.
من حكم الحج وأسراره أن يعرف المؤمنون أنه لا حياة لهم ولا فلاح لهم ولا نجاح لهم ولا عزة لهم ولا يمكن أن يعبدوا الله حق عبادته حتى يأخذوا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام .
فالآيات التي ذكرها الله عز وجل في الحج آيات محددة ومعدودة هل ذكر فيها ما يلبس المحرم هل ذكر الله فيها المواقيت هل ذكر الله عز وجل ما يحرم على الحاج من اللباس والطيب هل ذكر الله تعالى في القرآن كم عدد الأشواط في الطواف أو في السعي بين الصفا والمروة أم أم أنها خطوط عامة فيما أوجب الله تعالى .
فمن أين للمسلمين حتى أولئك المخالفين الذين يفعلون ما يفعله الحجيج تقية ويفعلون ما يفعله الحجيج ليس تدينا وإنما من أجل أن لا يقال : إنهم خالفوا فهم يسعون مثلهم ويسعون مثلهم وربما خالفوا في الوقوف بعرفة فإن ا لباطنية من الإسماعيلية البهرة وهكذا الروافض يخالفون في الوقوف فإما أن يقفوا قبل وإما يقفون بعد.
والنبي عليه الصلاة والسلام ((أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال وزاد يحيى ( وأردف رجلا فنادى )))[5]
الأضحى يوم تضحون حتى لو حصل شيء من الخطاء في معرفة دخول هلال ذي الحجة فإن الوقوف صحيح لكن هؤلاء لما كان منطلقهم منطلق فاسد يفعلون مثل هذا فهم يصعدون بعد الناس وينزلون بعد الناس فمن أين لنا تفاصيل الحج بل من أين لنا تفاصيل الصلاة بل من أين لنا تفاصيل الزكاة أهل السنة موقنون بأن الله تعالى هو الذي قال ((وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) سورة الحشر آية (7).
موقنون بأن الله تعالى قال في محكم كتابه: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) سورة النحل آية (44).
فبين صلى الله عليه وسلم هذه المناسك فقال ((خذوا عني مناسككم لعلي لا أحج بعد عامي هذا ))[6]
فمن أول وهلة وهو يعلم الناس مناسك الحج في كل حركة و سكنة وهو يعلم الناس العقيدة ويعلم الناس التوحيد يعلم الناس الخلق القويم يعلم الناس كيف يحجون ويعلم الناس كيف يتعاملون ويبين لهم حقوق المرأة وحقوق الإنسان وكان أول إعلان لحقوق الإنسان يوم أن خطب النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة فقال ((إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث – كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل – فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ ) قالوا : نشهد أن قد بلغت فأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : ( اللهم اشهد ) ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ))[7]
يوم أن قال: ((ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ألا هل بلغت؟ قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم))[8]
لقد تعايش السود مع البيض وتعايش العرب مع العجم وكانوا إخوة متحابين في الله لم يجتمع هذا في أي دين من الأديان.
هذه بعض حكم وأسرار الحج ومن ذلك لزوم العمل بسنة النبي عليه الصلاة والسلام وأنه لا يمكن أن تفلح هذه الأمة ما لم تأخذ بسنة النبي عليه الصلاة والسلام لو لم نأخذ بسنته لأكلنا الحرام ولشربنا الحرام ولفعلنا أمورا محرمة غير مذكورة في كتاب الله سبحانه وتعالى.
إذا من هنا جاءت أهمية إتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام ولهذا أعلنها صلى الله عليه وسلم واضحة فقال((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ))[9]
أي مردود عليه لا يقبله الله تعالى وأن تعب الإنسان وإن ظن نفسه أنه اجتهد وأنه قد أحسن صنعا فمن الناس من يعذب في النار وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فالله الله بسنة محمد صلى الله عليه وسلم هذه السنة التي نقلها إلينا الصحابة الكرام .
ذكورا وإناثا وقبح الله تلك الأفواه التي أرادت الطعن والنيل من الدين فطعنت في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وطعنت في أزواج محمد صلى الله عليه وسلم والله ما أردوا إ لا هدم الدين وما أردوا إلا الطعن في محمد صلى الله عليه وسلم .
ليس بينهم وبين أبي بكر أو عمر ولا بينهم وبين عائشة أي نسب لم يأخذ أبو بكر أموالهم ولم تنهب عائشة أموالهم بل أردوا النيل من شخص محمد صلى الله عليه وسلم بتفسيرات باطنية لكتاب الله سبحانه وتعالى زائغة عن الحق لكن والله لن يفلحوا وسيكونون هم الخاسرين كما قال الشاعر في ذلك البيت:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فما وهاها وأوهى قرنه الوعل
سيبقى الصحابة شامخين في أنفس المسلمين وستبقى لهم مكانتهم مهما حاول هؤلاء فلن يفلحوا إذا أبدا…
هذه بعض الحكم وسوف نواصل إنشاء الله تعالى فيما تبقى من الوقت .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين .
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
فإن من أسرار وحكم الحج أيضا أيها الإخوة :
الدعوة إلى الاعتدال والتوسط ومجانية الغلو والتطرف ليس في إراقة الدماء والمحرمة فحسب بل في كل القضايا والنبي عليه الصلاة والسلام يعلم هذه الأمة في هذه العبادة وفي هذا الركن يعلمهم الاعتدال ولزوم التوسط وينهاهم عن الغلو والتطرف فحين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم راجعا من مزدلفة إلى منى قال لابن عباس رضي الله عنهما وهو على ناقته :( القط لي حصى ) قال : فلقطت له سبع حصيات هن حصى الحذف .( الحذف التي تضعها بين أصبعين صغيرات سبع حصيات) فجعل ينفضهن في كفه ويقول :( أمثال هؤلاء فارموا ) ثم قال :( يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) .))[10]
الغلو مهلك للأمم والتطرف مهلك للأمم سواء كان تطرفا في الجانب هذا والجانب الآخر فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
وأمتنا اليوم تشعر وتحس بهذه المعاناة بهذا الضياع بهذا الضعف وبهذا الهوان نتيجة فعل قلة قليلة من الناس أو اقتراف هذه المخالفة وهي الغلو.
الغلو في الدين مهلك : إنما أهلك من كان قبلكم الغلو فالنبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن ذلك ويعلمنا وهو سر من أسرار الحج وقبل أن أنسى أقول إنه لزاما على القائمين على شئون الحج سواء كانت وزارة الأوقاف أو مكاتب الأوقاف أو الوكالات أن تضطلع بالمسئولية وأن تقوم بالواجب المنوط بها وذلك بتوعية الحجاج بكيفية حج بيت الله الحرام اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام .
إن كثيرا من الناس يذهب ويحج ويرجع ثم يتصل ويسأل أنا فعلت أنا نسيت ولو أنه تعلم قبل هذا لدخل في العبادة وهو عارف لما يفعل.
إن الناس الذين عندهم ذوق سليم الذين يتحملون حقا المسئولية في بعض ا لبلدان يصنعون للحجاج ما يشبه المدن مدينة كبيرة فيها مجسمات الكعبة والصفا والمروة ومجسمات للجمار ومجسمات لمزدلفة ومجسمات لعرفة ومن ثم يعلمون الناس.
أين دور الإعلام في توعية الناس بالحج من خلال البرامج المتطورة التي يمكن أن يستغلوا التقنيات الحديثة في البرامج التي تدمج و تدخل عبر الحاسب الآلي من أجل تعليم الناس حج بيت الله الحرام .
إنهم ربما يبثون توافه للناس وربما تنحرف أخلاق من خلال ما يبث فأين التزامن مع مثل هذه الفعاليات.
لابد من تعليم الأمة ولا بد من تحمل المسئولية .
فالوزارة المعنية تتحمل قسطا والوكالة تتحمل قسطا والإعلام يتحمل قسطا والعلماء والدعاة يتحملون قسطا وبالتكامل والتآزر نخرج بحصيلة عظيمة ونخرج بإذن الله بحج مبرور.
ومن الحكم أن على الأمة أن تعلم وان توقن أنه لا رابط بينها سوى العقيدة والدين فها هي تتجمع من مختلف الأقطار عربيها و عجميها بمختلف الألوان لا تجمعها الدماء ولا يجمعها الألوان ولا اللغات بل كانت العرب وهم فصحاء وكانوا مختلفين ومتناحرين متقاتلين فلم يجمع بينهم إلا هذا الدين ولم يؤلف بين قلوبهم إلا الدين قال الله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) سورة الأنفال آية (63).
فألف الله هذه ا لأمة بمختلف أوطانها ولغاتها وجعل لها هذا الرابط الدين والإيمان هذا الدين أن تمسكت به وتآخت عليه كانت قوية وشامخة ومرهبة للأعداء وإذا حادت عنه ضعفت وتقهقرت وتراجعت وهانت على أعداء الله سبحانه وتعالى فما ينقصها اليوم هو معرفة مثل هذه المعنى ومن ثم تجسيده إلى أرض الواقع.
هذا ومن جملة الحكم والأسرار أيضا وجوب تعظيم شعائر الله عز وجل وحرماته قال الله تعالى ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)) سورة الحج آية (32).
وقال تعالى : ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ )) سورة الحج آية (30).
فأنت ترى المحرم يحرم عليه صيد البر هذا من باب تعظيم حرمات الله فلا يقربه مع أنه مباح له بعد الحج ها أنت ترى أنه لا ينفر صيد الحرم تعظيما لمحارم الله ولا يلتقط اللقطة تعظيما لمحارم الله ها أنت تراه يلبي لله وينحر لله ويذكر لله ويرمي الحمار لله يقف هنالك أشعث أغبر لا يقص شعرا ولا يقص ظفرا كل ذلك تعظيما لشعائر الله وتعظيما لحرمات الله وشعائر الله ليست بالبلد الحرام فقط وإنما في ا لأرض كلها .
ومن أسرار الحج أيضا : التذكير أن الشيطان من ألد أعداء الإنسان وذلك مأخوذ من رمي الجمار لأن الشيطان أتي لإبراهيم عليه السلام في هذه المواطن ويريد منه إلا ينفذ أمر الله يقول له تذبح فلذة كبدك؟ هذا الولد الذي حصلت عليه بعد عناء تذبحه صدقت رؤيا ربما تكون خاطرة من الشيطان فيأتيه فيرميه بالحصى اخسأ عدو الله ثم يأتيه مرة ثانية وثالثة حتى يفدي إسماعيل بالذبح العظيم لأنه كان ممتثلا لأمر الله وكان أبوه عليه السلام أيضا ممتثلا لأمر الله وفيه تفريج لكربات من يطيع الله فالشيطان عدونا اللدود قال الله تعالى ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) سورة فاطر آية (6).
فما قتل قاتل إلا بوسوسة من الشيطان وما طلق مطلق إلا بوساوس الشيطان فإن الشيطان لا يفرح بشيء مثل فرحته بذلك الشيطان الذي يأتي إليه فيقول له مشيت وراءه حتى طلق امرأته فيقلو له : أنت أنت فيدنيه منه أما الخصومات وما شاكل ذلك فيقول سيصطلحان.
إذا من الأسرار التذكر بعداوة الشيطان.
أخيرا : التذكير بأن العبادات إنما شرعت من أجل ذكر الله قال الله تعالى: ((لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)) سورة الحج آية (28).
فالصلاة والذكر والحج وما شاكل ذلك كلها من أجل إقامة ذكر الله ومن هذا نتعلم أنه يجب علينا أن نخرج العبادات عن إطارها الأجوف عن إطار العادات التي ليس فيها تعظيما ولا إجلال ولا تدبر معاني لذكر الله.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
والحمد لله رب العالمين .
اضافة تعليق