إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل لما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن ملكه في قول كن أمنن فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالفتقار إليك فقري أدفع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة فلأن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنط عاصياً الفضل أجزل والمواهب أوسع
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في محكم كتابه : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفوته من خلقه وخليله أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وكشف الله تعالى به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه خير من التجأ إلى الله في الشدائد وخير من رفع يديه إلى السماء عند الكروب وخير من دعا ربه سبحانه وتعالى – معتمداً عليه وعلى فضله وعلى وعده لإجابة سؤال السائلين ودعاء الداعين هذا النبي الكريم الذي هو أسوتنا في كل الأمور صلى الله عليه وآله وسلم – الذي جمع فضائل الأخلاق وجمع الشمائل كلها حتى مدحه ربه بالقرآن العظيم فقال : (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) سورة القلم آية (4)
من أين أبدأ في مديح محمد لا الشعر ينصفه ولا الأقلام
هو صاحب الخلق الرفيع على المدى هو قائد للمسلمين همام
هو سيد الأخلاق دون منافس هو ملهم هو قائد مقدام
ماذا نقول عن الحبيب المصطفى فمحمد للعالمين إمام
ماذا نقول عن الحبيب المجتبى في وصفه تتكسر الأقلام
رسموك في بعض الصحائف مجرماً في رسمهم يتجسد الإجرام
لا عشنا إن لم ننتصر يوماً فلا سلمت رسومهم ولا الرسام
وصفوك بالإرهاب دون تعقل والوصف دون تعقل إقحام
لو يعرفون محمداً وخصاله هتفوا له ولأسلم الإعلام
في سدرت الملكوت راح محلقاً تباً لهم ولأنفهم إرغام
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أيها المؤمنون :
إن عقد النكاح هو أحد العقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها حيث قال ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )) سورة المائدة آية ( 1) ..
وعقد النكاح ميثاق غليظ قال الله تعالى (( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )) سورة النساء آية (21)
إنه ميثاق غليظ وعظيم لأنه بهذا الميثاق وبهذا العقد تبنى البيت المسلم ولأنه سبيل لتحصين الفرج وغض البصر وتحصيل المودة والرحمة والسكينة والولد ولذا أمر الله جل وعلا – وأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم- الزوج بالصبر على زوجته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً فعن أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ ». أَوْ قَالَ « غَيْرَهُ ».))[1]
وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم – أن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه وأرشدنا الشرع الحنيف إلى الاستمتاع بالنساء وأوصانا بهن خيراً فقال صلى الله عليه وآله وسلم- وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا))[2]
هذا العقد أباح لك هذه المرأة وبدون هذا العقد فالمرأة محرمة عليك قال صلى الله عليه وآله وسلم- ((…فاتقوا الله في النساء . فإنكم أخذ تموهن بأمانة الله . واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) [3]
كما أن المرأة مأمورة بالصبر على زوجها وجعل من أسباب دخولها الجنة طاعتها لزوجها فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ))[4]
أيها الكرام كما هو معلوم لنا جميعا لا يسلم بيت من المنغصات ولذلك أمر الزوج بالصبر على زوجته وأعطي زمام الأمر لما عنده من مزيد عقل وحكمة وصبر واستفادة من جميع الوسائل لجعل الحياة الزوجية سعيدة فأمر الزوج بأن يعظ زوجته إذا حدثت مشكلة فيما بينهما فإن لم ينفع ذلك فبالهجر وتدرج الشرع في ذلك حتى وصل إلى أن يختار حكم من أهله وحكم من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما فالزواج – أيها الكرام – سكن واستقرار وديمومة واستمرار فهو آية من آيات الله تعالى ألا ترى أن الزوج يأتي ليطرق ذلك البيت الذي يريد أن يتزوج منه ولم يكن بينه وبين تلك الفتاة أي علاقة من قبل فبمجرد إجراء ذلك العقد تستري المودة والرحمة والرأفة في قلبه على زوجته والعكس بالعكس إن الحياة الزوجية إذاً مودة ورحمة وسكن واستقرار يؤدي إلى الديمومة والاستمرار فإذا لم تحصل المودة والرحمة نتج عنه تنافر الأرواح وتعذر حينئذ التآلف فيما بينها واستعصت محاولات الإصلاح فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف ))[5] . فإذا لم يتحصل من الزواج المودة والرحمة وكان ثمة تنافر بين الأنفس والأرواح ولم تنفع الوسائل الشرعية التي وضعها الشرع من أجل تأليف القلوب ولم يخرج الحكمان بحل فإن الطريق حينئذ تكون هي المفارقة التي قال الله تعالى فيها (( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)) سورة النساء آية (130)
فالطلاق تشريع رباني وتوسعة وحكمة من الحكيم الخبير لكن الملاحظ أن هذه الرحمة وهذه التوسعة وهذا الحكم الشرعي صار في الآونة المتأخرة يتلاعب به تلاعب كبيراً ويتهاون بأمره فالجهل بأحكام هذه القضية – أعني أحكام الطلاق – وعدم معرفة عواقبه والإيقاع له في غير محله وإيقاعه لأتفه الأسباب معضلة شائكة وقضية صارت تؤرق المجتمعات المسلمة .
أيها المؤمنون :
إن الطيش والتهور بأمر من أمور الله وحكم من أحكامه يعد تلاعباً بكتاب الله – جل وعلا – موجب لسخطه وعقوبته ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ثم قال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال يا رسول الله ألا أقتله قال أبو عبد الرحمن لا أعلم أحدا روى هذا الحديث غير مخرمة ))[6]
علينا أيها الإخوة الكرام أن نتقي الله تعالى وأن نعرف لهذا الأمر حقه فإن الله جل وعلا – قد حد في هذا الأمر حدوداً فلا نعتدي عليها إن من المؤسف جداً أن نسبة كبيرة من المتزوجين يقدمون على الزواج دون أدنى معرفة بأحكام النكاح ولذلك نرى التهاون بأمر الطلاق فترى الزوج يتلفظ بالطلاق لأتفه الأسباب ولأدنى استفزاز يجده من زوجته دون مراعاة لحدود الله تعالى فهنالك من الأزواج من يطلق دون أن يلتزم بأحكام الطلاق فتجده يطلق زوجته ثم يعود لمعاشرتها وثانية وخامسة وسادسة وسابعة وزوجته باقية في بيته يعاشرها ولا يعلم هذا المسكين أنها صارت لا تحل له بعد الثالثة ولا يعلم هذا المسكين أن معاشرته لها يعد زنا وأن أولاده إن حملت بعد الطلقة الثالثة ليسوا بأولاد شرعيين وإنما هم أولاد زنا ومن تهاون البعض بالطلاق أن يقول الزوج : (حرام وطلاق أو علي الطلاق أو علي الطلاق بالثلاث ) فهذه غاية بالاستهانة بأمر الطلاق ومن هذا الباب أيضاً تهديد المرأة بالطلاق لأتفه الأسباب وأدناها وأقلها ففي كل قضية تجده يقول لها: إذا خرجت فأنت طالق إذا تكلمت مع فلان فأنت طالق إذا زرت فلانة فأنت طالق وهكذا لأتفه الأسباب يعلق طلاقه على مثل هذه القضايا .
أيها الكرام :
لا شك أن هذا ليس من المعاشرة بالمعروف في شيء فإن المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى – بها في قوله (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )) سورة النساء آية (19)
ليس المقصود منها ألا يوصل الأذى إليها وإنما قدر زائد على ذلك ألا يوصل الأذى إليها وأن يكون قادراً على تحمل الأذى منها فإن الطيش الحاصل منها والعجلة الحاصلة منها أكثر من الحاصلة منه ولذلك جعل الطلاق بيده وليس بيدها ولو كان الأمر بيدها لطلقته لأتفه الأسباب وفي أي لحظة من اللحظات وربما كان في أول ليلة يلتقيان فيها على فراش واحد لكن الله تعالى جعله بيد الزوج لأنه له عليها فضل وله عليها درجة (( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) سورة البقرة آية (228)
ومن هذا الباب أيضاً أن الطلاق صار شائعاً في المجتمعات المسلمة وصار أمراً مؤرقاً فالدراسات التي أجريت في هذه القضية تظهر ارتفاع نسبة الطلاق في الآونة المتأخرة وبشكل مخيف وهو ما يوجب السعي الحثيث لدراسة المشكلة وتباحث حلولها فليس هذا التفشي مما يحسب على الشرع في تشريعه للطلاق ولا يصح أن يقابل هذا التعصب في الحق المشروع بتقييد الطلاق بغير قيود الشرع فهنالك بعض الدول لجأت إلى منع الطلاق إلا بأذن من الحاكم فتغول الأزواج على زوجاتهم مما أدى إلى التعاكس في هذه القضية فصارت المرأة هي التي تذهب إلى القاضي من أجل أن يطلقها من زوجها لأن زوجها صار عصاً مسلطة عليها وصار مستعصياً عليها وصار مستعبداً لها للأسف الشديد .
أيها الكرام :
إن الطلاق لفظة ليست نابية فتكون مذمومة بإطلاق وليست لفظا يتقرب به إلى الله تعالى فيكون ممدوحا بإطلاق ولكن الطلاق كالدواء بل آخر الدواء وآخر الدواء كما يقال الكي إن الطلاق رحمة وسعة إذا وقع في توقيته الصحيح صحيح أن الطلاق مر وهكذا طبيعة الدواء الناجع أنه مر المذاق ولكن العاقبة تكون حميدة وقبل الطلاق لابد من عمل الوسائل التي تؤدي إلى حل الإشكالات ومنها كما ذكرنا قول الله عز وجل(( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا )) سورة النساء آية (35) فإذا لم ينجحا في التوفيق حينئذ يأتي قول الله تعالى ((وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا )) سورة النساء آية (130) إذاً فهو سعة وتوسيع على الزوج من جهة وعلى الزوجة من جهة أخرى إن مما يجب على المجتمع أن يصدر الحكم المناسب لكل لقضية فلا يذم ولا يمدح من أوقع الطلاق إلا بعد النظر في الأمر فالنظرة إلى الطلاق بأنه شر محض اتهام للشرع والمشرع وجهل بالواقع وملابساته وهي نظرة عاطفية بعيدة عن ميزان الشرع وأغلب الذين يدينون كل مطلق يعتمدون على حديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم- وهو ” أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق “))[7] .
وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لا تصح نسبته بل إن التناقض فيه واضح وظاهر فالمبغوض لا يكون حلالاً بل إما أن يكون حراماً أو مكروهاً هذا هو المبغوض وأما الحلال فهو محبوب إلى الله تعالى وليس مبغوضاً إذاً فهناك ركة أيضاً في لفظ هذا الحديث فالصحيح في حكم الطلاق أنه تدور عليه أحكام الإسلام الخمسة فقد يكون واجباً وقد يكون حراماً إلخ …. فمثلاً إذا علق الزوج زوجته لا هي مطلقة ولا هي متزوجة فإنه في هذا الحال يجب الطلاق لأن هذه المرأة تصير مظلومة محرومة من الحياة الكريمة وبعض الناس يتدنى في سلوكه وأخلاقه فيجعل هذه المرأة معلقة سنين طويلة كل هذا من أجل غرض من أغراض الدنيا من أجل أن تفتدي هذه المرأة نفسها بأن تتنازل عن مهرها المؤخر في ذمته إذا كان كبيراً أو بأن ترد عليه ما أخذته منه من قيمة ذهبها أو ملابسها وهذا غاية في الدناءة ولا يصح لأحد أن يأخذ هذه الفدية إلا في حال ما إذا كان الزوج مقيماً للحقوق وتكون المرأة هي الرافضة لهذه الحياة والإقامة مع هذا الرجل وتطالبه بالطلاق تماماً كما فعلت تلك المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ لَا يُتَابَعُ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ))[8]
ومعنى الكفر العصيان وعدم القدرة على إعطاء الزوج حقه كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري قال
: خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال ( يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار ) . فقلن وبم يا رسول الله ؟ قال ( تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ) . قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال ( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ) . قلن بلى قال ( فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ) . قلن بلى قال ( فذلك من نقصان دينها )[9]
يعني تنكرن ما يقوم به الزوج وما يأتي به الزوج وما يقدمه الزوج فهذه المرأة لما قالت إنني لا أعيب عليه ديناً ولا خلقاً ولكنني أكره الكفر في الإسلام أي لا أقدر على أن أعطيه حقه فحينئذ أمرها الشرع بأن ترد عليه المهر ويكون كرماً في حق الزوج إذا وصل الحال إلى أن المرأة لا تريده ألا يأخذ منها شيئاً وهذا غاية في الكرم وعدم نسيان للفضل الذي جعله الله – عز وجل – بين الزوجين فهنا بعض الأزواج لا يطلق إطلاقاً ولكنه يضر بهذه المرأة من أجل أن ترد عليه فتاتاً من المال .
أيها الإخوة الكرام :
إن هذا الإضرار محرم حرمه الله جل وعلا -قال سبحانه (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )) سورة النساء آية (19)
وقد يكون الطلاق محرماً وذلك فيما إذا كان هذا الزوج يتلاعب أو يلعب ببنات الناس فيتزوجها لأسبوعين أو شهر أوشهرين ثم يطلق ثم ينطلق إلى أخرى ثم يطلق وهكذا ليس ثمة سبب يدعو إلى الطلاق فهذا طلاق محرم وقد يكون الإمساك محرماً وذلك فيما إذا باعت هذه الزوجة شرفها وأنزلت العيب في زوجها ففي هذه الحال لا يحل له أن يبقيها لأن الشرع أمره بمفارقتها .
أيها الإخوة الكرام :
إن هذه القضية قضية شرعية لا يحل التلاعب بها بحال من الأحوال ولا يجوز أن يكون الطلاق على طرف اللسان ولا يجوز للمجتمع أن يحكم بحكم واحد على كل مطلق بل لابد أن يعرف الواقع وأن يعرف الأسباب والملابسات فإن الحكم بحكم واحد ظلم للشرع وظلم لهذا الرجل الذي أو قع الطلاق فعلينا أيها الكرام – خاصة الآباء أن نلزم أبناءنا وبناتنا بأخذ دورات شرعية يتعلمون فيها قبل الدخول في مشروع الزواج ما يتعلق به من أحكام وعلى الشباب والشابات ألا يقدموا على الزواج حتى يتعلموا أحكام النكاح ما لهم وما عليهم كأحكام الحيض والنفاس والإيلاء والظهار والطلاق وغير ذلك من الأحكام التي تتعلق بالحياة الزوجية لا أن يعيش الإنسان عيشة بهائمية لا يعرف الحلال من الحرام وحينئذ لا يأتي للسؤال إلا وقد وقع الفأس في الرأس .
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في دينه وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
إن من الآباء للأسف الشديد من يرغم ابنته أخته أو موليته على البقاء في عصمة زوجها وإن كانت مقهورة وتعيش حياة جحيم لا يطاق لكونهم يخافون من كلام الناس أن يقال عن ابنتهم أنها مطلقة فيرغمونها على العيش مراعاة للأعراف والتقاليد حتى أن بعضهم يهدد موليته قائلاً : بيت زوجك أو قبرك يعني إما أن تعيشي في جحيم وإما القبر يعني الموت إن هذه النظرة الجاهلية للطلاق تجعل الأعراف والتقاليد صنماً يعبد من دون الله تعالى – فأيها أولى في تقديم الحكم حكم الله أو حكم العادات والتقاليد التقاليد الجاهلية والعادات القبلية التي تسود في بعض القرى أو المديريات تؤدي إلى استعباد الرجل للمرأة ويهين كرامتها وتعيش تحت وطأة هذه العادات والتقاليد وفي الجانب الآخر يلجأ بعض الأولياء مولياتهم من بنات وأخوات نتيجة للضغط من قبل هؤلاء الأولياء يضغطون على الزوج بالطلاق لأتفه الأمور كونه لطمها كونه سبها أو شتم أباها أو استنقص من أمها كلمات قد تخرج أحياناً نتيجة لغضب ولثورة أعصاب وغير ذلك لكن نظراً لأن هؤلاء الأولياء شامخوا أنوفهم يدعون أن كرامتهم أولى من أي شيء فيضغطون على الأزواج بالطلاق ويرغمونهم ولو كانت البنت تحب زوجها ولو كان بينهم أولاد ولو كان هو يحبها ولكن نتيجة لخطأ أن وصل الكلام إلى هذا الولي فإذا بهم يضغطون على الزوج بالطلاق فإذا لم يطلق فيشببون المرأة على زوجها فيكيلون له التهم ويلفقون عليه الأكاذيب من أجل أن يقذفوا الكره في قلبها على زوجها متناسين قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ” ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده ” ))[10].
إن في مجتمعنا أيها الكرام : نظرتين خاطئتين للطلاق :
نظرة تجرم ونظرة ترى الطلاق أنه هو الحل ولا مكان لأي حل آخر وبين هاتين النظرتين نظرة وسط تغيب عن كثير من الناس إن للطلاق آثار جسيمة ووخيمة ومنها : تشتت أمر الأسرة وضياع الأولاد بين الأم والأب فربما حصل عناد بين الزوجين في الأبناء فترى هذا ينفر من الأم وهذه تنفر من الأب وهذا يمنع الأم من رؤيتهم والأم تمنع الأب من رؤيتهم فالطلاق فيه ضرر عظيم ولولا الحاجة إليه ما أباحه الله سبحانه وتعالى – لكن أيها الكرام في الختام إذا قدر الله تعالى على احد من الناس فاستنفذت الحلول ولم يكن بد من الطلاق فهنا لابد أن نذكر هذا الزوج بان لا ينسى ما كان بينه وبين زوجته من العشرة الحسنة فلا ينسى ذلك أبداً وهكذا أيضاً المرأة لا تنس ذلك قال تعالى (( وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) سورة البقرة آية (237)
وهكذا أيضاً من عدم نسيان الفضل ألا يشوه سمعتها ولا تشوه سمعته بحال من الأحوال خاصة إذا كان بينهم كما قلنا أولاد وعلى الوالدين أن ينظرا إلى مصلحة الأبناء قبل النظر إلى مصلحتهما فهنالك أحياناً الأب ربما إذا كان الأولاد عنده يضغط على الأم من أجل أن ترجع إليه وهي لا تريد وإذا كانوا عند الأم فهي تضغط عليه بهم وتؤزهم عليه وتمنعه من رؤيتهم من أجل أن يرجع إليها وهو لا يريد ذلك أيضاً فعدم نسيان الفضل أمر مطلوب ولا يجوز كذلك أن يتخذ الزوج أو الزوجة مواقف عدائية لأن ذلك ينزل الضرر بالأولاد والأولاد هم الذين يكونون محل الضرر .
فنسأل الله تعالى التوفيق والسداد للجميع وأن يبصرنا بعيوبنا وأن يرزقنا الاستقامة والأخلاق الحسنة إنه لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو اللهم غنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد نسألك يا مولانا أن تشيع المحبة والسكينة والمودة في بيوت المسلمين نسألك يا ربنا أن تنشا أبناء المسلمين التنشئة الصالحة وأن تصرف عنهم رفقاء السوء إنك على كل شيء قدير ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نسألك لبلدنا هذا أمناً وآماناً واستقراراً يا رب العالمين اللهم من أراد بهذا البلد خيراً فوفقه ومن أراد به سوءاً وشراً فأجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء وافضحه على رؤوس الأشهاد إنك على كل شيء قدير ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اضافة تعليق