رمضان فرصة للتغيير
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الحمد لله الذي أنزل على عباده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً لينذر باساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وهدانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي لك الحمد يا ربنا بالإسلام ولك بالإيمان ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالصيام ولك الحمد بمحمد عليه الصلاة والسلام
لك الحمد حمداً نستلذ به ذكراً وإن كنت لا أحصى ثناءً ولا شكراً
لك الحمد حمداً طيباً يملؤ السموات وأقطارها والأرض والبر والبحر
لك الحمد حمداً سرمدياً مباركاً يقل مداد البحر عن كنهه حصراً
لك الحمد تعظيماً لوجهك قائماً يخصك في السراء مني وفي الضراء
لك الحمد مقروناً بشكرك دائماً لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى
لك الحمد موصولاً بغير نهاية وأنت إلهي ما أحق وما أحرى
لك الحمد يا ذا الكبرياء ومن يكن بحمدك ذا شكر فقد أحرز الشكر
لك الحمد حمداً لا يعد لحاصر أيحصي الحصا والنبت والرمل والقطر
لك الحمد أضعافاً مضاعفة على لطائف ما أحلى لدينا وما أمرا
لك الحمد ما أولاك بالحمد والثنا على نعم أتبعتها نعما تـــــــــــــــــترى
وأشهد ألا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم أول بلا ابتداء آخر بلا انتهاء له الأسماء الحسنى والصفات العلى أنت أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك
أنت أهل الثناء والمجد فامنن بجميل من الثناء المواتي
ما ثنائي عليك إلا امتنان ومثال للأنعم الفائضات
يا محب الثناء والمدح إني من حيائي خواطري في شتات
ذابت النفس هيبة واحتراماً وتأبت عن بلع ريقي لهاتي
حبنا وامتداحنا ليس إلا ومضة منك يا عظيم الهبات
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقائدنا وعظيمنا محمد عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وخليله أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتبعها إلا كل منيب سالك
يا سيد الرسل طب نفساً بطائفة باعوا إلى الله أرواحاً وأبــــــداناً
قادوا السفينة ما ضلوا وما وقفوا وكيف لا وقــــد اختــــاروك رباناً
أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم والناس تزعم نصر الدين مجاناً
أعطوا ضريبتهم صبراً على محن صاغت بلالا وعماراً وسلـــــمانا
الله يعرفهم أنصــــــــار دعوتـــــــه والناس تعرفهم للخير أعـــــــواناً
دستورهم لا فرنســـــا قننته ولا روما ولكن قد اختــــــــاروه قـــرآناً
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أيها الإخوة الكرام
أيها المؤمنون :
إننا على مقربة من ضيف كريم وعلى بوابة فريضة عظيمة من فرائض الله تعالى التي كتبها على المؤمنين إننا نرتقب ساعة بعد أخرى ليعلن عن وصول هذا الضيف العزيز على نفوسنا جميعاً إنه شهر رمضان هذا الشهر الكريم الذي تفرح به النفوس المؤمنة وتسكن إليه القلوب المطمئنة والذي لا ينفر منه إلا قلب فيه مرض عياذاً بالله تعالى من ذلك يأتي رمضان بنوره وعطره ويأتي بخيره وطهره يأتي ليربي فينا قوة الإرادة ورباطة الجأش ويربي فينا ملكة الصبر ويعودنا على احتمال الشدائد والجلد أمام العقبات ومصاعب الحياة إن رمضان مدرسة تربوية يتدرب فيها المسلم على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء والتسليم لحكمه في كل شيء وتنفيذ أوامره في كل شيء وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه في كل شيء ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعاً عن كل ما لا ينبغي في هذا الشهر المبارك ليحصل على تقوى الله تعالى في كل وقت وحين وذلك إذا اجتهد على التحفظ في هذه المدرسة الرحمانية بمواصلة الليل بالنهار وعلى ترك كل إثم وقبيح وضبط جوارحه كلها عما لا يجوز فعله لينجح في هذه المدرسة حقاً ويخرج ظافراً من جهاده لنفسه موفراً مواهبه الإنسانية وطاقاته المادية والمعنوية لجهاد أعدائه إن رمضان فرصة ذهبية للوقوف مع النفس ومحاسبتها لتصحيح ما فات واستدراك ما هو آت
رمضان هل لي من وقفة أستروح الذكر وأرشف كلها المعسول
رمضان هل لي وقفة أسترجع الماضي وأرتع في حماه جـــــــــــــــذولا
رمضان أيها الكرام فرصة العمر السانحة وموسم البضاعة الرابحة هنا مصنع الأبطال يصنع أمة ويفتح فيها قوة الروح والفكر ويخلع عنها كل قيد يعوقها ويعلي منار الحق والصدق والصبر لقد يسر الله تعالى في رمضان أسباب الخير وفعل الطاعات فالنفوس مقبلة ولأن رمضان تصفد فيه مردة الشياطين فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره من الشهور في رمضان تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة من ليالي رمضان إن رمضان فرصة للتغيير قد حدثت فيه أحداث غيرت مسار التاريخ فنقلت الأمة من مواسم الغبراء إلى مواسم الجوزاء ورفعتها من مؤخرة الركب لتكون في محل الصدارة والريادة ففي معركة بدر الكبرى انتصر جيش الإيمان بقيادة قائدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم- ومن تلك المعركة بدأ نجم الإسلام في صعود ونجم الكفر في أفول وأصبحت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين
أبطال بدر يا جباه شرعت للشمس تحكي وجهها المصقولا
حطمتم الشرك المصعر خده فارتد مشلول الخطى مخذولاً
وفي السنة الثامنة للهجرة في شهر رمضان كان فتح مكة المبين الذي استبشر به أهل السماء وأشرقت به وجه الأرض وفي عام 658هـ في يوم الجمعة 25 من رمضان انتصر المسلمون بقيادة الملك المظفر قطز على جيش التتار ومن هنا نحن نوقن ونثق أن رمضان فرصة سانحة وغنيمة جاهزة لمن أراد التغيير في حياته فالأسباب مهيأة والأبواب مشرعة وما بقي إلا العزيمة الصادقة رمضان فرصة للتغيير ليصبح العبد من المتقين الأخيار ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) سورة البقرة آية (183)تعليل لفرضية الصيام ولبيان فائدته الكبرى رمضان أيها الكرام فرصة للتغيير لمن كان مفرطاً في صلاته فلا يصليها مطلقاً أو يؤخرها عن وقتها أو يتلاعب بها ليعلم المتهاون أنه يرتكب خطأ قاتلاً وتصرفاً مهلكاً وإن لم يتدارك نفسه فهو آيل لا محالة إلى نهاية بائسة أيها الكرام هذا الشهر المبارك الكريم سيطل علينا ربما بعد سويعات ولعل الأنفس تكون متهيئة لاستقبال هذا الضيف الكريم خاصة أنتم رجال الأمن حراس هذا البلد الذين تقضون أوقاتكم الكثيرة بين الحر وبين الشمس لا شك أن أجوركم أعظم من غيركم ذلك لأنكم في جهادين الجهاد الأول جهاد هذه الطاعة في هذا الصيف الحار شديد الحرارة وجهاد آخر هو حفاظكم على الأمن والاستقرار في هذا الوطن عامة وفي هذه المحافظة بشكل أخص ولا شك أن من كان هذا حاله كان أجره أعظم بأذن الله تعالى – فلتحتسبوا الأجر والمثوبة عند الله تعالى ولتكونوا عند حسن ظن الله تعالى بكم ولتكونوا مثالاً للحارس الأمين الذي يحرس هذا الوطن ويحرس هذا الدين أنتم حماه الوطن وحماه العقيدة وحماه هذا الدين لأنكم بعتم أنفسكم ودماءكم لله جل وعلا فنعم البائع ونعم المشتري فإياك أن تنكث ببيعتك فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به
أيها الكرام :
احتسبوا الأجر عند الله تعالى في أن تكون عزيمتكم وعزائمنا جميعاً مهيئة للتغيير أن يكون الإنسان مهيأ نفسه لأن يتغير وتغيير النفس ليس بالأمر الصعب أبداً ويكذب من يقول أنه غير قادر على تغيير نفسه وغير قادر على ترك رذيلة أو غير قادر على ترك عادة سيئة هذا يضحك على نفسه ويكذب على نفسه فها أنت في رمضان تتدرب تدريباً عملياً على ترك ما أباح الله لك مما لا تقوم الحياة إلا به ساعات طويلة فضلاً عن ترك المحرم فأنت تتركها من باب أولى إذاً فأنت قادر على أن تصحح من وضعك وقادر على أن تغير نفسك ولكن العزيمة لا بد أن تبقى مستمرة ولابد أن تواصل معها ومراقبتها ليلاً ونهاراً حتى لا تعيش في فصام نكد في حياتك الفصام النكد في حياة المؤمن لا مكان له وهو حياة أصحاب النفوس الضعيفة القلوب المريضة فتراه في النهار يعيش عيشة وتراه في الليل يعيش عيشة أخرى مخالفة لعيشة النهار 100% هذه الحياة يجب أن نتركها ويجب أن نكون سائرين على وتيرة واحدة نرضي الله تعالى – أيها الكرام – أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يهيأ نفوسنا وأن يقوي عزائمنا وهممنا لنغير من أنفسنا في هذا الشهر المبارك إذا غيرنا من أنفسنا سيغير الله تعالى أحوالنا كلها ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) سورة الرعد آية ( 11) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحابته وإخوانه
وبعد :
أيها الكرام رمضان فرصة للتغيير لمن كان مقصراً في نوافل العبادات فلم يجعل لنفسه منها نصيباً ولم يأخذ لنفسه منها قسماً فرمضان فرصة ليغير المقصر من حاله ويبدل من شأنه وينتهز هذه الفرصة فيحافظ على شيء منها فهي مكملة للفرائض يقول صلى الله عليه وآله وسلم ((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ.))[1]
إذاً المقصر وكلنا مقصرون علينا أن ننتهز هذه الفرصة وهي فرصة سانحة لنجعل لأنفسنا من النوافل حظاً وقسماً ونصيباً إن من الفصام في حياتنا أيها الكرام – أن نجد أنفسنا في صلاة النوافل وخاصة في رمضان نملأ المساجد وتجدنا في صلاة الفرائض مقصرين وهذا فصام في الحياة كان الأولى أن يكون العكس فالمحافظة على الفرائض سبيل للمحافظة على النوافل وفي الحديث القدسي ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))[2]
ليس هنالك شيء أحب إلى الله تعالى في التقرب كما قال : مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ..إلى آخر الحديث الحاصل هنا أن رمضان فرصة لمن كان مقصراً في النوافل أن يجعل لنفسه قسماً وحظاً بحيث يستمر عليه والدراسات تظهر أن من كرر أمراً 7 مرات بجد صار أمراً معروفاً ومعتاداً بشرط أن يكررها عن عقيدة وعن جد وعن عزيمة واجتهاد يصير الأمر بعد ذلك عادة فكيف بنا ونحن سنكرر ذلك قرابة الثلاثين مرة إذا فعلنا هذه القربة والطاعة مرة في كل يوم رمضان فرصة للتغير لمن هجر القرآن الكريم وهجر تدبره إنها فرصة أن يكون هذا الشهر بداية للتغيير فيجعل المسلم لنفسه ورداً من القرآن ولو كان قليلاً فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل يقول صلى الله عليه وآله وسلم ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ.))[3]
كم يقف الإنسان إجلالاً وإكباراً واحتراماً لذلك العسكري أو الضابط الذي ينتظر نوبته في النقطة الفلانية أو في المكان الفلاني في وقت راحته حين يكون ممسكاً لكتاب الله تعالى – يقرأ شيئاً من الآيات حتى إذا جاءت نوبته ترك المصحف وذهب لأداء الواجب وهنا يأتي ترتيب المسلم لوقته لا يكون وقته كله عبث هل تعلمون أن كل دقيقة وثانية سنسأل عنها بين يدي الله تعالى كما جاء في الحديث الصحيح «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه»[4]
عمرك بدقائقه وثوانيه منذ أن كلفت وبلغت إلى أن يتوفاك الله تعالى – فلتكن حياتنا كلها لله عز وجل – ذكراً وقراءة وتعبداً وعملاً وكل خطوة نخطوها لتكن لله جل وعلا – من الأخطاء التي نخطئ فيها أن نظن أن العبادات هي الصلاة والصوم والحج والزكاة وما شاكل ذلك بل إن الحياة كلها طاعة الحياة كلها عبادة منذ أن تقوم من الفجر إلى أن تعود إليه لا بل حتى منامك عبادة وقربة لله تعالى ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) سورة الأنعام آية (163)
فمحياك أي حياتك وموتك أي نومك لله جل وعلا – هكذا فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم – الأمر كان معاذاً رضي الله تعالى عنه يقول : إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي أحتسب أكلي لله أحتسب شربي لله ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ((حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ»))[5] ابتسامتك في وجه أخيك صدقة إغاثتك لملهوف صدقة هدايتك لضال وقوفك بجانب إنسان مضطر مظلوم كل ذلك صدقة وأجر تؤجر عليه بين يدي الله تعالى – ((وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»))[6]
وما أحسن الابتسامة من وجوه أولئك الذين لا تتوقع وصول الابتسامة منهم لضغط الحياة عليهم ولقسوتها عليهم أولئك الضباط والأفراد الذين يقفون بين الشمس وفي الريح وبين الغبار وبين المطر حينما يمر عليه شخص في نقطة فيتبسم في وجهه وينظر هل له من حاجه كم له من الأجر والمثوبة عند الله تعالى لا تحتقرون شيئاً من المعروف واجعلوا حياتكم كلها لله تعالى – حتى نومك احتسب فيه أنك تتقوى فيه على طاعة الله تعالى – عملك شغلك تحتسب فيه الأجر أن تعف نفسك بالرزق الحلال وتعف زوجك وتعف أولادك وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال ((وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»))[7] يعني يجامع الرجل زوجته يكون له بها صدقة لكن هذا لمن ؟ عرف الحياة حق المعرفة ولمن عرف العبادة حق المعرفة وفي بضع أحدكم صدقة الله أكبر الله أكبر حينما نفهم أن حياتنا كلها طاعة وكلها عبادة العامل يعمل والمزارع يزرع والجندي في معسكره والضابط في معسكره والقائد في معسكره والتربوي في مدرسته في كل مكان يعمل يؤجر عليه ولو كان يتقاضى على ذلك الأجر لكن أين الهمم وأين النيات وأين تجديد النيات وتصحيح المسار إذاً لنا في رمضان فرصة لتصحيح هذا المسار . الصيام والقرآن أيها الكرام يشفعان يوم القيامة لأصحابهما يقول الصيام يا رب يا رب أظمأته و أجعته في النهار فشفعني فيه ويقول القرآن يا رب حرمته النوم في الليل فشفعني فيه قال فيشفعان إن من المفارقات العجيبة أن يدرك أعداؤنا من عظمة القرآن ما لا ندركه وأن يعملوا جاهدين على طمس معالمه ومحو آثاره في العباد والبلاد لخوفهم الشديد من عودة الأمة إلى هذا القرآن الذي يؤثر في النفوس ويحييها ويبعث فيها العزة والكرامة يقول بلادستون أحد أعداء الإسلام : مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان.
رمضان فرصة للتغيير من أخلاقنا فمن جبل على الأنانية والشح والحقد والكيد والكبر والمكر وفقدان الشعور بالجسد الواحد فشهر رمضان مدرسة عملية له وهو أوقع في نفس الإنسان من نصح الناصحين ووعظ الواعظين لأنه يسمع قرقرة الجوع في أحشائه ويحس بالعطش في كبده الصائم يحس بمعاناة الآخرين فيرق قلبه ويحن لإخوانه ألا يحس أولئك المحتكرون بحاجة الفقراء والمعوزين ألا يحس من يفجر أبراج الكهرباء بمعاناة الملايين من ورائهم ألا يحس الذين يفجرون أنابيب النفط والغاز بمعاناة الملايين ألا يحس محتجزو قاطرات النفط بمعاناة الملايين ألا يحس الإرهابيون بمعاناة أسر الشهداء الذين يستشهدون على أرواحهم إذا كان هؤلاء لا يحسون فليس أولئك من البشر يقول صلى الله عليه وآله وسلم ((«تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»))[8] إن هذه الروح الطيبة روح الشعور بالأخوة وروح الشعور بالمسئولية وروح الشعور بالجماعية أكثر من يحملها القادة والضباط وأفراد الجيش أصحاب الضمائر الحية لأنهم يقدمون خدمة كفائية لهذا المجتمع بأكمله فهم من يقدم أنفسهم وأرواحهم من أجل أن يسعد الآخرون فلتكن نياتكم صادقة لله جل وعلا – وكل واحد منكم بل منا يمكنه في أي لحظة أن يفارق الحياة فما أكثر المجرمين الذين يتربصون بأولئك الذين يريدون بناء هذا الوطن وأمنه واستقراره فليكن الإنسان دائماً على استعداد لمواجهه الله تعالى ليواجهه بقلب سليم ونية سليمة وقلب صادق رمضان فرصة للتغيير في أخلاقنا فمن كان قليل الصبر سريع الغضب فعليه أن يتعلم من رمضان الصبر والأناة فأنت تصبر على الجوع والعطش والتعب ساعات طويلة ألا يمكنك أن تعود نفسك على الصبر على سوء أخلاق الآخرين وجهلهم كما في الحديث ((فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ “))[9]
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم ((«لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»))[10]
ليس الشديد الذي يصرع الناس القوي صاحب العضلات المفتولة لو كان الأمر كذلك لكان الحصان أقوى من الإنسان إذاً من الشديد قال الذي يملك نفسه عند الغضب الذي تربينا على أن من لطمك ألطمه لطمتين والذي يسبك أطلق عليه رصاصتين يقولون هذه هي الرجولة ليست هذه الرجولة الرجولة هي أن تصبر وأن تكبح جماحك حينما يسئ إليك الآخرون يقول صلى الله عليه وآله وسلم ((ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة))[11]
رمضان فرصة للتغيير لمن عود نفسه على أكل الحرام كالربا والرشوة والسحت والنهب والسلب ويسميها فهلوة ورجالة أو يسميها بغير اسمها أيها الكرام رمضان فرصة للتخلص من كثير من العادات السيئة أنتم تحمون هذا الوطن من أعداء خارجيين ومن أعداء داخليين والعدو الداخلي أشد فتكاً من العدو الخارجي ألا ترون ما يفعله المهربون الذين يهربون السلاح والمخدرات والعلاج المنهي الصلاحية ويهربون السموم ماذا يفعلون ببلادهم وبأبناء جلدتهم من يتصدى لهؤلاء إلا أمثالكم الشرفاء الذين تبقى أيديهم نظيفة وبطونهم نظيفة الذين يؤثرون الجوع على أن تصلى هذه البطون في نار جهنم الذين يؤثرون أن يقتلوا في سبيل الله تعالى ولا أن يدخل هؤلاء إلى المدن والقرى ليفتكوا بها وليخربوا بها هنالك أصحاب نفوس مريضة وهم قلة لكن الشرفاء كثر وأنتم إن شاء الله منهم
أيها الكرام :
لنكن الحاجز المنيع والمصد الكبير أمام هؤلاء الذين يريدون أن يخربوا علينا بلادنا ويخربوا علينا وشبابنا وإخواننا لنعلم جميعاً أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يقول ((«كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»))[12]
ولنتذكر جميعاً أنه لن ينفعنا الناس يوم القيامة وإنما سنعرض جميعاً على الله تعالى فرادى بين يدي الله تعالى لن يقف بجوارك زميلك ولا قائدك ولا الوزير الفلاني أو الرئيس الفلاني بل سنأتي فرادى بين يدي الله تعالى – وسنسأل عن أعمالنا إن خيراً فنحمد الله تعالى وإن كان غير ذلك فلا نلومن إلا أنفسنا أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الشهر المبارك شهر خير وبركة وإحسان وتغيير لنا أجمعين لوطننا هذا الأمن والأمان والاستقرار وللخيرين الرفعة والسؤدد بأذن الله تعالى ولنا بأذن الله تعالى أخلاقاً وإيماناً وسمواً اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا رب العالمين اللهم علمنا ما يفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا رب العالمين اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين اللهم من أراد بهذا الوطن سوءاً فاشغله في نفسه واجعل تدبيره في تدميره اللهم رد كيده في نحره اللهم أفسد مخططاته وافضحه على رؤوس الأشهاد أياً كان يا رب العالمين وتحت أي عباءة يا أكرم الأكرمين اللهم اهزمهم وافضحهم شر فضيحة يا رب العالمين يا قوي يا عزيز اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بسخطك والنار ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحم إنك أنت الوهاب اللهم وفق كل من يريد لهذا الوطن عزاً وفخاراً وسؤدداً ومكانة عليا سامية يا رب العالمين اللهم تقبل شهداءنا من أفراد الأمن والجيش وغيرهم واشف مرضاهم وعاف مبتلاهم إنك على كل شيء قدير ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
[1] – الترمذي 1/ 535 [2] – البخاري 8/ 105 [3]- الترمذي 5/ 25 [4]- صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/ 1221 [5]- البخاري 1/ 20 [6]- مسلم 4/ 2026 [7]- مسلم 2/ 697 [8]- البخاري 8/ 10 [9]- البخاري 3/ 26 [10]- البخاري 8/ 28 [11]- صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/ 97 [12]- صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/ 831
اضافة تعليق