المروءة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه له الحمد في الأولى وله الحمد في الأخرى أثنى على نفسه ثناءً عظيماً ويحب من يثني عليه جل شأنه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم جعل مكارم الأخلاق طريقاً ومنهجاً للمؤمنين وجعل قدوة المسلمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم – الذي قال فيه ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) سورة القلم آية (4) والذي قال فيه ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) سورة آل عمران آية (159) وأشهد أن نبينا وعظيمنا وسيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – ما من خير إلا ودلنا عليه وما من شر إلا وحذرنا منه دعانا لمكارم الأخلاق وجاء مبعثه ليتمم مكارم الأخلاق وكان من دعائه ((..وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ..))[1] تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتبعها إلا كل منيب سالك.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
شخص من المسلمين كان ثرياً له فرسه حصانه يركب عليه ويجوب به الآفاق ما بين منخفض ومرتفع وبينما هو يوم يسير في الصحراء يشق غبارها منطلقاً إلى وجهته إذا به يجد شخصاً في الصحراء ينادي ويستنجد أن أغيثوني أيها الناس هذا التاجر بعلو مكانه ورفعته سمع الصوت وتلفت بمنة ويسرة حتى رأى شاخصاً على بعد فأدار عنق حصانه واتجه إلى ذلك الشاخص فإذا به يرى شخصاً مغبراً رث الهيئة والثياب فنزل هذا التاجر من على حصانه من أجل أن ينجد هذا الرجل أيها الكرام ماذا تظنون أنه حدث من هذا الرجل التاجر الذي تواضع هذا التواضع كله والذي اتجه إلى هذا الذي يستنجد ونزل من على حصانه ليرى هذا الرجل بهذه الهيئة التي ربما تقطع القلب الرحيم ماذا تظنون أنه حدث بعد .
يا أيها الكرام ديننا جاء بمكارم الأخلاق جاء بمعالي الأمور إن من جملة هذه الأمور التي جاء بها ديننا المروءة الشهامة هذه المروءة التي تكاد أن تنمحي من الوجود هذه الشهامة التي لا يكاد يتكلم عليها متكلم ولا يتحدث عنها متحدث ولا يذكر بها مذكر المروءة ذلك الخلق العظيم الذي كاد أن ينمحي من الحياة لقد وصل بنا الحال أيها الكرام إلى أننا نمارس قولاً وفعلاً طمس معالم هذا الخلق العظيم فتجد من يثبط عن القيام بالمعروف فيقول البعض افعل خيراً تجد شراً ويقول آخرون مهما فعلت فلن تجد من يشكر ويقال لا تخالط الناس فيدهموك بطلباتهم ويقول آخرون لا تتواضع فتضعف ويقول آخرون لا تتسامح أو تغض الطرف أو تعفو أو تكظم غيظك لا تكن هذه صفاتك لأنها ستجعلك مذموماً محتقراً ذليلاً
إن من الواجب علينا أيها الكرام :
أن نحارب الأخلاق الذميمة لا أن نحث عليها ذلك حتى لا تشيع في مجتمعنا المسلم تلك الأخلاق السيئة إن عدم الإنكار على الواقعين في المنكرات أو صلنا إلى ما وصلنا إليه إن وقوف البعض ضد من يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر بل وينكر عليه بحجة أنه يوجد منكر أعظم إن ذلك أسهم إسهاماً كبيراً في انتشار الأخلاق المذمومة ولهذا ذكرنا فيما مضى أنه حق على متعاطي الكؤوس أي على شراب الخمر أن ينصح بعضهم بعضاً ولو كانوا واقعين في المنكر فحق عليهم واجب أن يتناهو عن ذلك المنكر
أيها الكرام :
إن هذا المسلك يقتل السماحة والمروءة في قلوبنا يقتلع حسن الخلق من أعماق نفوسنا كما يجعلنا نغير تفكيرنا ونصبح لا نرى إلا السوء متجسداً أيها المسلمون إن محاسن الأخلاق جاءت بعكس ذلك فالمروءة خلة كريمة وأدب رفيع يحمل الإنسان على الوقوف عند محاسن والأخلاق وجميل الصفات دون التأثر بما يكون حولها أو يقال عنها إن المروءة أيها المسلمون صدق لسان وحسن خلق وكف أذى وطلاقه وجه وإحسان ظن وطيب معشر تقدم الخير ولا تنتظر عليه مكافأة ترد السوء وتغظ الطرف ولا تنتظر انتصاراً ولا انتقاماً ليس ضعفاً ولكن شرف نفس وعلة مقام وصدق الله ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )) سورة الرحمن آية (63)لم يكن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم سباباً ولا لعاناً ولا فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق وهكذا علمنا أن نكون فقال صلى الله عليه وآله وسلم «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ، وَلَا الطَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ»[2]
قد ينظر بعض الناس إلى المروءة أنها ضعف لكن الواقع أن المروءة كمال الرجولة فمن كملت رجولته كانت مروءته حاضرة ولقد كان مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم – لإتمام مكارم الأخلاق فرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم – تميم لا ابتداء بناء على ما سبق لا هدم ما سبق إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وكان صلى الله عليه وآله وسلم – حينما جاء وبعثه الله تعالى – للتقويم الخلقي والرقي الإنساني ومن تقويمه للخلق قوله صلى الله عليه وآله وسلم – وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»[3] وقال صلى الله عليه وآله وسلم ((مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ.))[4] وقال أيضاً ((«إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»[5]هذه جملة من الأحاديث التي تدل على أن المروءة قمة من قمم الأخلاق الرفيعة سئل سفيان بن عيينة وهو العالم المعتني بالقرآن قيل له إنك تستنبط من القرآن عجائب فأين المروءة في كتاب الله إننا لا نجد لها لفظاً فقال رحمه الله ورضي عنه تأمل قوله جل ثناؤه ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) سورة الأعراف آية (199) إن هذه الآية قال جمعت المروءة من أبوابها كلها خذ العفو قال فيه المروءة وحسن الأدب ومكارم الأخلاق وفيها صلة للأرحام والمقربين ورفق بالمخطئين والمذنبين وأمر بالعرف الأمر بكل ما هو جميل من الأقوال والأفعال وأعرض عن الجاهلين فيه التخلق بالحلم والتغاضي والعفو والصفح وسعة الصدر والإعراض عن أهل الظلم والتنزه عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلاء لقد حوت هذه الآية على خلق المروءة والصورة التي ينبغي أن يكون عليها المسلمون لكن واقعنا لم ينس أو يتناسى هذا الخلق الرفيع فحسب بل صار الواحد منا يعلم أبناءه تعليماً عملياً على نبذ هذا الخلق ويقره ويدافع عنه إذا رآه يمارس ذلك الخلق الذميم ألا ترى الأب كيف يعلم أبناءه ألا يكونوا سذجاً فيسامح ويعرض عم من أساء إليهم ويقول لهم : كونوا رجالاً ردوا الكيل بكيلين والصاع بصاعين من سب أباك فسب أباه وأمه إن دواعي المروءة علو الهمة وشرف النفس إنها قمة عالية من وصل إليها يستطيع أن يملك نفسه في أحلك الظروف وصدق نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»[6]
أي الذي يصرع الناسولو كان الشديد بالصرعة لكانت بعض الحيوانات أفضل من الإنسان لأنها أقوى منه الذي يمسك نفسه عند الغضب تلك قمة النفس وقمة الرجولة وقمة القوة أن يمتلك الإنسان نفسه في حال الغضب أما امتلاك نفسه في حال عدم الغضب فهدا أمر طبيعي مجبول عليه الإنسان وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ((«إن الله كريم يحب الكرماء جواد يحب الجودة يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها»[7]
إن من السهل اليسير أن يكون المرء عياذاً بالله سفيهاً لكن من الصعوبة بمكان أن يكون حليماً إن من السهل جداً أن يكون الإنسان ظالماً متكبراً بطاشاً نهاباً لكن من الصعب أن يكون عادلاً متواضعاً عفيفاً ولذا كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم ((وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ»[8]والمعنى حسن الخلق في المواطن التي تتقلب فيها النفس وتميل إلى الأخلاق الذميمة وتبعد عن سمو الأخلاق إننا بحاجة اليوم أيها الكرام إلى تقويم نظرتنا وتصحيح نفوسنا بعد أن تغيرت وتبدلت وبحاجة إلى الرجوع إلى المنهج الرباني كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم- يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (( لا تصغرن هممكم فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمة صغير الهمة يطيش سريعاً ويرد مباشرة عالي الهمة يغض الطرف ويسمو ويعرض عن الجاهلين وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
ولذا فالمرء يضع نفسه حيث يشاء فمن وضع نفسه مع السفهاء والجهلاء فسيقول مثل قولهم ويتصرف تصرفاتهم ومن وضع نفسه مع الشرفاء وارتقى إلى حلمهم وكرمهم ومروءتهم وحسن خلقهم فسيدفع بالتي هي أحسن وسيقول الحسنى
إذا أنت لم تعرف لنفسك قدرها هواناً كانت على الناس أهوناً
فنفسك فأكرمها فإن ضاق مسكن عليها فاطلب لنفسك مسكناً
ينبغي أن يعين بعضنا بعضاً وأن يؤازر بعضنا بعضاً للتخلق بهذا الخلق فإذا رأى أخ أخاه بدء يطيش ويميل إلى السفه عليه أن يمسك بيده وأن ينصره لا أن يقعد يتفرج عليه لا أن يؤزه على أن يستمر على هذا الخلق الذميم يجب عليه أن يرده ويقول له عيب عليك أن تتخلق بهذا الخلق الذميم يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» [ص:129]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ»[9]وهذا من الظلم من ظلمه لنفسه أنه يتخلق بأخلاق السفهاء أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يهدينا وإياكم لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يجنبنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً وخذ بنواصينا إلى طاعتك يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحابته أجمعين
أيها المسلمون :
إن من طبيعة الحياة اليومية أن يحدث فيها شيء من الخلاف ويكون فيها شيء من النزاع لكن للأسف الشديد أنه لما ضاقت الصدور وتحشرجت النفوس فإن كلمة واحدة توصل الأمر إلى قطيعة الدهر كله كلمة واحدة تخرج من شخص توصل إلى القطيعة والهجر دهراً كاملاً وكأنه لم يعد بيننا مسامحة ولا غض طرف ولا سمو نفس يقول صلى الله عليه وآله وسلم «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»[10]هدا الضيق والتوتر حدث حينما ابتعدنا عن المروءة فلم هذا الضيق ولم هذا التوتر لم الكلمات الجافة القاسية أين ذهبت الأخلاق الحسنة أين ذهبت الكلمات اللينة والعبارات المهذبة أين طلاقة الوجه أين السكينة التي نريد ونرغب لقد كادت تفسد علاقاتنا حتى دخلت إلى عقر البيوت فلا نسمع الكلام الحسن بين الزوجين ولا الكلمة الحانية من الآباء للأبناء ولا كلام الإجلال والتوقير والاحترام من الأبناء إلى الآباء لقد فقدنا كثيراً وخسرنا أكثر يوم ابتعدنا من المروءة لما ضيعنا المروءة خسرنا الكثير أيها الكرام إن من الإحسان والإفضال والخلق الرفيع ألا نرد الصاع بصاعين ولا الكيلة بكيلتين ولكن كما قال الله((وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )) سورة الفرقان آية (63) وكما قال ربنا جل ثناؤه ((وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) سورة الأعراف آية (199)
وكما قال تعالى ((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) سورة فصلت آية (34) يأتي الأعرابي فيجذب ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ويهزه حتى يؤثر في عنقه يطلب حقه يقول : أعطني حقي ويشده شداً فيضج الصحابة من حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ليقعوا بهذا الأعرابي وليضربوه فيقول صلى الله عليه وآله وسلم- : أعطوا له حقه لا يرفع صوته ولا يضرب ولا يسجن ولا يدع الشرط وإنما يقول : أعطوه حقه فيبحثون عن حقه وكان النبي صلى الله عليه قد استلف منه جملاً فيبحثون عن الجمل فيقولون ما وجدنا مثل جمله فقال أعطوه أكبر منه فإن أحسنكم أداءً أحسنكم قضاءً هكذا يعلمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم- المروءة درساً عملياً بألا يرد على هذا المسيء الذي لم يسئ على أي إنسان وإنما أساء على مقام النبوة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم- إنه جاء ليعلمنا مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله وسلم- أين نحن من هذا الخلق الحسن أليس منا من يستدين ثم ينكر أنه استدان من فلان ؟ أليس منا من يتهرب من القضاء ؟ بل أليس منا من إذا طلب من المحكمة من أجل أن يؤدي الدين الذي عليه قام بالمرافعة ومحاكمة من قدم له الدين أليس منا من إذا ضمن عليه ضامن تنكب إذا به ينقلب عدواً لهذا الضامن في المحاكم يجره من محكمة إلى محكمة أهذا هو خلق الشهامة والمروءة والكرم أهذا حسن الخلق؟ أين ذهبت أخلاق المسلمين أيها الكرام رحم الله العلامة الشعبي من التابعين قال تعامل الناس بالدين زمناً فلما ذهب الدين أي نقص تعاملوا بالمروءة زمناً فلما ذهبت المروءة تعاملوا بالحياء زمناً وبعد ذلك تعاملوا بالرغبة والرهبة زمناً ثم قال ولا أدري ما يتعاملون به بعد إلا هو شر منه وصدق إنها كلمات خرجت من مشكاة النبوة قال معاوية رضي الله تعالى عنه وقد رأى عبد الملك بن مروان قال : ما أكمل مروءة هذا الفتى فقال عمرو بن العاص وكان حاضراً إنه أخذ أربعاً وترك ثلاثاً فقال : أحسن البشر إذا لقي وأخذ بحسن الحديث إذا حدث وأحسن الاستماع إذا حدث وأيسر المئونة إذا خلف وترك نفسه من كل ما لا يليق وترك مخالفة الناس وترك من الكلام ما يعاب عليه
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها لكن أخلاق الرجال تضيق
هكذا ينبغي أيها الكرام أن نحول حياتنا إلى هذه المروءة وأن نحرص عليها كي لا تضيع
أيها الكرام :
لا نسود الحياة في وجوه الناس ولا نقول فسد الناس ولا هلك الناس ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم أيها الناس قد يحدث أحياناً من أهل الوجاهة والشرف والهيئات خلق سيء ذميم وأن يطيش به الخلق في موقف ما فلا يجوز لنا في هذه الحال أن نستدل بهذا الدليل ولا يجوز لنا في هده الحال أن ننشر مثل هذه الهفوة ولا مثل هذه الزلة بل الواجب في مثل هذه الحال أن يغمر مثل هذا الخلق السيئ في بحر الحسنات فالعبرة بكثرة المحاسن ومن كثرت حسناته غمرت سيئاته في بحر حسناته قال صلى الله عليه وآله وسلم- «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ»[11]ولا يجوز أن تشاع مثل هذه العثرات ولا أن نتتبع العثرات فهو أمر محرم وأمر لا يجوز بحال من الأحوال … هذا الرجل يعني من مروءته وشهامته وكرمه أنه نزل فرأى هذا الرجل المسكين بهذه الهيئة فمن شهامته ومروءته طلعه على الفرس فمشى الرجل قليلاً ويهرب ويترك صاحبنا في الصحراء وهرول وجرى فصرخ التاجر يا رجل يا رجل قال له مالك قال إياك لا تكلم أحداً قال حتى لا يضحكوا عليك قال لا ولكن حتى لا يصد هذا الفعل الناس عن فعل الخير لا يكن هذا العمل منك القبيح يصد الناس عن فعل المعروف والكرامة والمروءة بارك الله لي ولك في القرآن الكريم وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا رب العالمين ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا كريم اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك سميع قريب مجيب الدعاء اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا واغفر لجميع أحبابنا وإخواننا إنك على كل شيء قدير اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا يا رب العالمين ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
[1] – مسلم 1/ 534
[2]- أحمد 7/ 60
[3]- أحمد 20/ 23
[4]- الترمذي 4/ 136
[5]- البخاري 4/ 177
[6]- مسلم 4/ 2104
[7]- صحيح الجامع الصغير 1/ 370
[8]- النسائي 3/ 54
[9]- البخاري3/ 128
[10]- البخاري 3/ 57
[11]- أبو داود 4/ 133
اضافة تعليق